للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ابن عبّاس: العالمون الجنّ والإنس؛ دليله قوله تعالى: {لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان: ١]. ولم يكن نذيرًا للبهائم. وقال الفرّاء، وأبو عبيدة: العالم عبارة عمن يعقل، وهو أربعة أمم: الإنس، والجنّ، والملائكة، والشياطين. ولا يقال للبهائم: عالم؛ لأن هذا الجمع إنما هو جمع من يعقل خاصّة.

قال الأعشى:

مَا سَمِعْتُ بِمِثْلِهِمْ فِي الْعَالَمِينَا

وقال زيد بن أسلم: هم المرتزقون، ونحوه قول أبي عمرو بن العلاء: هم الروحانيّون. وهو معنى قول ابن عبّاس أيضًا: كلّ ذي رُوح دَبَّ على وجه الأرض. وقيل: غير ذلك (١).

قال القرطبيّ: والقول الأول أصحّ هذه الأقوال، لأنه شامل لكلّ مخلوق وموجود؛ دليله قوله تعالى: {قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (٢٣) قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا} الآية. ثم هو مأخوذٌ من الْعَلَم والعلامةِ؛ لأنه يدلّ على موجده. كذا قال الزجّاج، قال: العالم كلّ ما خلقه الله في الدنيا والآخرة. وقال الخليل: الْعَلَم والعلامةُ، والْمَعْلَم: ما دلّ على الشيء؛ فالعالم دالّ على أن له خالقًا، ومدبّرًا، وهذا واضح. انتهى كلام القرطبيّ باختصار (٢).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الذي صحّحه القرطبيّ حسنٌ جدًّا، وهو ظاهر في كون "العالمين" جمع مذكّر سالمًا حقيقةً. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

"إن أريد إلا الإصلاح، ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكّلت، وإليه أنيب".

(وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)

هذه الجملة لم توجد في بعض النسخ. و"العاقبةُ" بالرفع على أنه مبتدأ، خبره الجارّ والمجرور، بيّن به كونَ العاقبة المحمودة للمتّقين من العالمين. ويحتمل أن يكون بالجرّ عطفًا على "العالمين" أي وربّ العاقبة التي تكون للمتّقين فقط.


(١) ذكر القرطبيّ أقوالا أخرى تركت ذكرها لأن الظاهر أنها إسرائيليات التي لا دليل عليها في شرعنا.
(٢) الجامع ج ١ ص ١٣٨ - ١٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>