للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمراد بالزيادة هنا زيادة الحفظ والإتقان.

وقوله (وَصِحَّةِ النَّقْلِ) بالجرّ عطف على "الفضل" ومعنى صحّة النقل صحّة أخذ الأحاديث، وحفظها عن الشيوخ (وَإِنْ كَانَ عَوْفٌ، وَأَشْعَثُ غَيْرَ مَدْفُوعَيْنِ) أي مُبْعَدَين (عِنْ صِدْقِ، وَأَمانَةٍ، عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ) يعني أنهما عند العلماء بالحديث من أهل الصدق في الحديث، والأمانة في حفظ ما سمعوه، وتأديته إلى غيرهم (وَلَكِنَّ الْحَالَ) منصوب على أنه اسم "لكّن" بالتشديد، ويحتمل تخفيفها، فيكون "الحالُ" مبتدأ خبره قوله: "ما وصفنا"، أي لكن الشأن في التمييز بين مراتب الأقران (مَا وَصَفْنَا) "ما" اسم موصول، والعائد محذوف، أي وصفناه، وحذفه في مثل هذا جائزٌ، كما قال ابن مالك رحمه اللهُ تعالى في "خلاصته":

...................... ... وَالْحَذْفُ عِنْدَهُمْ كَثِيرٌ مُنْجَلي

فِب عَائِدٍ مُتَّصِلٍ إن انْتَصَبْ ... بفِعْلٍ أَوْ وَصْفٍ كَمَنْ نَرْجُوا يَهَبْ

وقوله (مِنَ الْمَنْزِلَةِ) بيانٌ لـ "ما" (عِنْدَ أهْلِ الْعِلْمِ) متعلّق بصفة لـ "لمنزلة"، أو بحال منه، لأن المحلّى بـ "أل" الجنسيّة يجوز فيه الاعتباران، كما في قول الشاعر:

وَلَقَدْ أَمُرُّ عَلَى اللَّئِيمِ يَسُبُّنِي ... وَمَضَيتُ ثُمَّتُ قُلْتُ لا يَعْيِنِي

والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

ثم بيّن رحمه اللهُ تعالى السبب الذي حمله على إيضاح هذه المسألة بضرب الأمثلة، بقوله:

(وَإِنَّمَا مَثَّلْنَا هَؤُلاء في التَّسْمِيَةِ؛ لِيَكُونَ تَمْثِيلُهُمْ سِمَةً، يَصْدُرُ عَنْ فَهْمِهَا مَنْ غَبِيَ عَلَيْهِ طَرِيقُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي تَرْتِيبِ أَهْلِهِ فِيهِ، فَلَا يُقَصَّرُ بِالرَّجُلِ الْعالِي الْقَدْرِ عَنْ دَرَجَتِهِ، وَلَا يُرْفَعُ مُتَّضِعُ الْقَدْرِ في الْعِلْم فَوقَ مَنْزِلَتِهِ، وَيُعْطَى كُلُّ ذِي حَقٍّ فِيهِ حَقَّهُ، وَيُنَزَّلَ مَنْزِلَتَهُ. وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ الله تَعَالَى عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: "أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُنْزِّلَ النَّاسَ مَنَازِلَهُمْ"، مَعَ مَا نَطَقَ بِهِ الْقُرْآنُ، مِنْ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [يوسف: ٧٦]. فَعَلَى نحْوِ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْوُجُوهِ نُؤَلِّفُ مَا سَأَلْتَ مِنَ الْأَخْبَارِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-.

إيضاح المعنى الإجماليّ لهذه الفِقْرة:

بيّن رحمه الله تعالى في هذا الكلام السبب الباعث له لضرب الأمثلة بذكر صنفين من الأقران: أحدهما: في أعلى المراتب، من الحفظ والإتقان، والثاني: في أوسط المراتب، ليسوا في المرتبة العليا حتى يساووا الأولين، وليسوا في المرتبة الدنيا، حتى يُتركوا مثل أهل المرتبة الآتية بعدهم، فهم -وإن لم يكونوا مثلهم في حفظهم وإتقانهم-

<<  <  ج: ص:  >  >>