للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم ذكر مسلمٌ رحمه الله تعالى مثالًا آخر زيادة في الإيضاح، فقال:

(وَفِي مِثْلِ مَجْرَى هَؤُلَاءِ إِذَا وَازَنْتَ بَيْنَ الأَقْرَانِ، كابْنِ عَوْنٍ، وَأَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ، مِعَ عَوْفِ بْنِ أَبِي جَمِيلَةَ، وَأَشْعَثَ الْحُمْرَانِيِّ، وَهُمَا صَاحِبَا الْحَسَنِ، وَابْنِ سِيرِينَ، كَمَا أنّ ابْنَ عَوْنٍ، وَأَيُّوبَ صَاحِبَاهُمَا، إِلَّا أَنَّ الْبَوْنَ بَيْنَهُمَا، وَبَيْنَ هَذَيْنِ بَعِيدٌ فِي كَمَالِ الْفَضْلِ، وَصِحَّةِ النَّقْلِ، وَإِنْ كَانَ عَوْفٌ، وَأَشْعَثُ غَيْرَ مَدْفُوعَيْنِ عَنْ صِدْقٍ، وَأَمَانَةٍ عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ، وَلَكِنَّ الْحَالَ مَا وَصَفْنَا، مِنَ الْمَنْزِلَةِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ).

إيضاح المعنى الإجماليّ لهذه الفقرة:

بيّن رحمه اللهُ تعالى في هذه الفِقْرة بضرب مثال آخر للمفاضلة بين الأقران في الحفظ والإتقان، فذكر من أصحاب الحسن البصريّ، وابن سيرين رحمهم الله تعالى راويين من الطبقة الأولى، وهما: عبد الله بن عون، وأيوب السختيانيّ، وراويين من الطبقة الثانية، وهما: عوف بن أبي جميلة، وأشعث بن عبد الملك الْحُمْرانيّ، فإن الأربعة، وإن كانوا يأخذون عن الحسن وابن سيرين كليهما، إلا أن الأولين في الدرجة العليا من كمال الحفظ وصحّة النقل، وإن كان الأخيران لا يُستهانُ بهما، ولا يُدفعان عن كونهما موصوفين بالصدق، والأمانة العلميّة، إلا أن المطلوب في هذا الباب هو الكمال في الحفظ والإتقان، زيادةً على الصدق، والأمانة. والله تعالى أعلم.

تراجم الأعلام المذكورين في هذه الفِقْرة:

(١) - (ابن عون) هو عبد الله عون بن أَرْطَبَان المزنيّ مولاهم، أبو عون الخزار بفتح المعجمة، أحد الأعلام. رأى أنس بن مالك، وروى عن عطاء، ومجاهد، وسالم، والحسن، والشعبيّ، وخلق كثير. وروى عنه الثوريّ، وشعبة، وابن عُليّة، ويحيى القطّان، وخلائق.

قال ابن المديني: جُمع لابن عون من الإسناد ما لم يُجمَع لأحد من أصحابه، سمع بالمدينة من القاسم، وسالم، وبالبصرة من الحسن، وابن سيرين، وبالكوفة من الشعبيّ، والنخعيّ، وبمكة من عطاء، ومجاهد، وبالشام من مكحول، ورجاء بن حَيْوة. قال عليّ: وقال بشر بن المفضّل: لقيت الثوريّ بمكة، فقلت له: مَنْ آمنُ مَنْ تركت على الحديث بالكوفة؟ قال: منصور، وبالبصرة يونس بن عبيد، قال عليّ: وهذا كان قبل أن يُحدّث ابن عون؛ لأنه لم يُحدّث إلا بعد موت أيوب، ومات ابن عون سنة (١٥١) بعد موت أيوب بعشرين سنة. وقال الثوريّ: ما رأيت أربعة اجتمعوا في مصر مثل هؤلاء: أيوب، ويونس، والتيميّ، وابن عون. وقال حمّاد بن زيد، عن ابن عون: وفدت عند الحسن، وابن سيرين، فكلاهما لم يزل قائمًا حتى فُرش لي. وقال هشام بن

<<  <  ج: ص:  >  >>