للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يقبل العنعنة أصلًا، وما ألزمه به ليس بلازم؛ لأن الراوي إذا ثبت له اللقاء مرّةً (١) لا يجري في روايته احتمال أن لا يكون سمع منه؛ لأنه يلزم من جريانه أن يكون مدلّسًا، والمسألة مفروضة في غير المدلّس. انتهى (٢).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: ما قاله هؤلاء الأئمة من الردّ على المصنّف في إلزامه خصمه بأنه يلزمه أن لا يقبل المعنعن أصلًا حجة قويّة تظهر ضعف إلزامه المذكور.

وذلك لأن خصمه يقول له: قد ألزمتني بأمر لم ألتزمه، وأراه غاية التعنّت، حيث ألزمتني برد كلّ سند معنعن قد ثبت سماع رواته بعضهم من بعض؛ لاحتمال عدم السماع في بعض ما يُروى بذلك السند، وأنا لا أقبل ذلك؛ لأن الاحتمال هنا نادرٌ، والحكم إنما يُبنى على الغالب، لا على النار.

والحاصل أن هذا الردّ في غاية من الحسن، ونهاية من المتانة. والله تعالى أعلم.

إيضاح الشرح التفصيليّ لهذه الفقرة:

(وَإِنْ هُوَ ادَّعَى فِيمَا زَعَمَ دَلِيلًا يَحْتَجُّ بِهِ) يعني أنه إذا لم يجد له سلفًا في هذا الرأي، ولكنه ادّعى أنه يجد بنفسه حجة يحتجّ بها على ما ادعاه (قِيلَ لَهُ وَمَا ذَاكَ الدَّلِيلُ؟ ) "ما" استفهاميّة: أي أيُّ شيء ذاك الدليل الذي تحتجّ به؟ (فَإِنْ قَالَ: قُلْتُهُ) أي هذا القول الذي هو اشتراط اللقاء والسماع في أيّ حديث معنعن (لِأَنِّي وَجَدْتُ رُوَاةَ الْأَخْبَارِ) -بضم راء "رُواة" جمع راو، وفتح همزة "الأخبار" جمع خبر، والإضافة من إضافة اسم الفاعل إلى مفعوله (قَدِيمًا وَحَدِيثًا) أي في قديم الزمان وجديده (يَرْوِي) بالبناء للفاعل (أَحَدُهُمْ عَنِ الْآخَرِ الْحَدِيثَ وَلَمَّا يُعَايِنْهُ) أي لم يشاهد من روى عنه ذلك الحديث.

[فائدة]: "لما" هنا -بفتح اللام، وتشديد الميم- هي النافية بمعنى لم، يجتمعان في الحرفية، والنفي، والاختصاص بالمضارع، وقلب معناه إلى المضيّ، وجزمه، ودخول همزة الاستفهام عليهما. وتختصّ "لَمّا" بخمسة أشياء: أحدها: أنها لا تقترن بأداة شرط، فلا يقال: "إن لما تقم"، بخلاف "لم" كقوله تعالى: {وَإِنْ لم يَنْتَهُوا} الآية [المائدة: ٧٣]. والثاني: وجوب اتصال منفيها بحال النطق، بخلاف "لم"، فقد يتصل، نحو {لم يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} الآية [الإخلاص: ٣]، وقد ينقطع كقوله: {لم يَكُنْ شَيْئًا


(١) تقدّم أن فرض المسألة ليس في اللقاء فقط، بل وعلى السماع، فافهم.
(٢) راجع "نزهة النظر" ص ٣١ و"النكت" على ابن الصلاح ٢/ ٥٩٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>