للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفلّاس، وأبو زرعة، وأبو حاتم الرازيّان، ومحمد بن عوف الطائيّ الحمصيّ، وأبو زرعة الدّمشقيّ، وأبو بكر الرازيّ، والدارقطنيّ، والبيهقيّ، وغيرهم، وسيأتي ما نُقِل عن هؤلاء من تفتيشهم عن محلّ السماع في السند المعنعن، إن شاء الله تعالى.

إيضاح الشرح التفصيليّ لهذه الفقرة:

(وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ مُنْتَحِلِي الْحَدِيثِ) أي مدّعي علم الحديث، وليس من أهله، قال المجد في "القاموس": وانتحله، وتنَحّله: ادّعاه لنفسه، وهو لغيره. انتهى. وقال في "اللسان": والنِّحْلَةُ -بالكسر-: الدعوى، وانتحل فلان شعر فلان، أو قول فلان: إذا ادّعاه أنه قائله، وتنحّله: ادّعاه، وهو لغيره. انتهى. والمراد أن هذا القائل ليس من أهل الحديث، وإنما هو دعيّ فيه (مِنْ أَهْلِ عَصْرِنَا، فِي تَصْحِيحِ الأَسَانِيدِ) متعلّق بـ "منتحلي": أي في الحكم بأنها صحيحة (وَتَسْقِيمِهَا) أي الحكم بأنها مُعَلّة، غير صحيحة (بِقَوْلٍ) متعلّق بـ "تكلّم" (لَوْ) شرطيّة، وفسّرها سيبويه بأنها حرف لما كان سيقع لوقوع غيره، وفسّرها غيره بأنها حرف امتناع لامتناع (١) ولا يليها غالبا إلا ماضي المعنى، ويقلّ كونه مستقبل المعنى، قال في "الخلاصة":

"لَوْ" حَرْفُ شَرْطٍ فِي مُضِيٍّ وَيَقِلّ ... إِيلَاؤُهُ مُسْتَقْبَلًا لَكِنْ قُبِلْ

(ضَرَبْنَا عَنْ حِكَايَتِهِ) أي أعرضنا، وكففنا عن ذكره. قال النوويّ رحِمَهُ الله تعالى: كذا هو في الأصول: "ضربنا"، وهو صحيح، وإن كانت لغة قليلة، قال الأزهريّ: يقال: ضربتُ عن الأمر، وأضربتُ عنه: بمعنى كففتُ، وأعرضتُ، والمشهور الذي قاله الأكثرون: أضربتُ بالألف. انتهى (٢).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: دعوى القلّة في "ضربنا" محلّ نظر؛ إذ قرىء به في السبعة في قوله: {أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا} الآية [الزخرف: ٥]. قال ابن منظور: وضرَب عنه الذكر، وأضرب عنه: صَرَفه. وأضرب عنه: أي أعرض. وقوله: {أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا}: أي أنُهملكم، فلا نُعرّفكم ما يجب عليكم؛ لأَنْ كنتم قومًا مسرفين: أي لأن أسرفتم. والأصل في قوله: ضربتُ عنه الذكر، أن الراكب إذا ركب دابّة، فأراد أن يصرفه عن جهته، ضربه بعصاه ليعدله عن الجهة التي يُريدها، فوُضِع الضرب موضع الصرف والْعَدْل. يقال: ضربتُ عنه، وأضربت. وقيل في قوله: {أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا}: إن معناه: أفنضرب القرآن عنكم، ولا ندْعوكم إلى


(١) هذه العبارة هي المشهورة، والأولى أصحّ، انظر حاشية الخضري على ابن عقيل ٢/ ١٩٦.
(٢) "شرح مسلم" ١/ ١٢٨ - ١٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>