للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإيمان به صفحًا: أي معرضين عنكم، أقام "صفحًا" وهو مصدرٌ مقام صافحين، وهذا تقريع لهم، وإيجاب للحجة عليهم، وإن كان لفظه لفظ استفهام. انتهى (١).

(وَذِكْرِ فَسَادِهِ صَفْحًا) قال السمين الحلبيّ رحِمَهُ الله تعالى في إعراب الآية المذكورة: قوله: {صَفْحًا} فيه خمسة أوجه: أحدها: أنه مصدر في معنى يَضرب؛ لأنه يقال: ضرب عن كذا، وأضرب عنه: يعني أعرض عنه، وصرف وجهه عنه، والتقدير: أفنصفح عنكم الذكر: أي أفنزيل القرآن عنكم إزالةً ينكر عليهم ذلك. الثاني: أنه منصوب على الحال من الفاعل: أي صافحين. الثالث: أن ينتصب على المصدر المؤكّد لمضمون الجملة، فيكون عامله محذوفًا، نحو: {صُنْعَ اللَّهِ} [النمل: ٨٨]. قاله ابن عطيّة. الرابع: أن يكون مفعولًا لأجله. الخامس: أن يكون منصوبًا على الظرف. قال الزمخشريّ: و {صَفْحًا} على وجهين: إما مصدر من صَفَح عنه: إذا أعرض عنه، منتصبٌ على أنه مفعول له على معنى: أفنَعزل إنزال القرآن، وإلزام الحجة به إعراضًا عنكم. وإما بمعنى الجانب، من قولهم: نظر إليه بصفح وجهه، وصفح وجهه بمعنى أفننحيه عنكم جانبًا، فينتصب على الظرف، نحو ضَعه جانبًا، وامش جانبًا، ويعضده قراءة "صُفْحًا" بالضمّ. قال السمين: يشير إلى قراءة حسان بن عبد الرحمن الضبعيّ، وسميط بن عمر، وشُبيل بن عزرة قرأوا "صُفْحًا" بضم الصاد، وفيها احتمالان: أحدهما: ما ذكره من كونه لغة في المفتوح، ويكون ظرفًا. وظاهر عبارة أبي البقاء أنه يجوز فيه ما جاز في المفتوح؛ لأنه جعله كالسَّدّ والسُّدّ. الثاني: أنه جمع صَفُوح، نحوُ صَبُور وصُبُر، فيُنصب حالا من فاعل نضرب. انتهى (٢).

قال الجامِع عفا الله تعالى عنه: يستفاد مما سبق أن نصب قول المصنّف رحِمَهُ الله تعالى: "صفحًا" يحتمل الأوجه الخمسة: لأنه إما مفعول مطلق مُلاقٍ لعامله، وهو "ضربنا". أو منصوب على الحال من الفاعل: أي صافحين. أو مؤكّد لمضمون الجملة، فيكون عامله محذوفًا، نحو قوله تعالى: {صُنْعَ اللَّهِ}: أي صفحنا صفحًا. أو مفعول لأجله. أو يكون بمعنى جانب منصوبًا على الظرفيّة: أي ضربنا عنه جانبًا. والله تعالى أعلم.

وقوله: (لَكَان رَأْيًا مَتِينًا) جواب "لو". و"المتين" بفتح الميم: فعيل بمعنى فاعل، من مَتُن الشيء، من باب كرُم: إذا اشتدّ، وقَوِي: أي لكان إعراضنا عنه، وعدم ذكرنا


(١) راجع "لسان العرب" ١/ ٥٤٦ - ٥٤٧.
(٢) راجع "الدر المصون في علوم الكتاب المكنون" ٦/ ٩١ - ٩٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>