للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(المسألة الأولى): في حدّ الغيبة لغةً، وشرعًا:

قال في "المصباح": اغتابه اغتيابًا: إذا ذكره بما يَكرَه من العيوب، وهو حقّ، والاسم الغيبة، فإن كان باطلًا، فهو الغيبة في بُهْتٍ. انتهى (١). وقال في "القاموس": وغابه: عابه، وذكره بما فيه من السوء، كاغتابه، والغِيبة فِعْلة منه، تكون حسنةً، أو قبيحة. انتهى (٢). وقال في "اللسان": اغتاب الرجل صاحبه اغتيابًا: إذا وقع فيه، وهو أن يتكلّم خلف إنسان مستور بسوء، أو بما يَغُمُّهُ لو سمعه، وإن كان فيه، فإن كان صدقًا، فهو غيبة، وإن كان كذبًا، فهو الْبَهْتُ، والْبُهتان، كذلك جاء عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، ولا يكون ذلك إلا من ورائه. انتهى (٣).

وشرعًا: هو ما عرّفه به النبيّ -صلى الله عليه وسلم- فيما أخرجه مسلم، وأحمد، وأبو داود، والترمذيّ عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أتدرون ما الغيبة؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: "ذكرك أخاك بما يكره"، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: "إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته". فكلام أهل اللغة مأخوذ من هذا، كما أشار إليه صاحب "اللسان" آنفًا.

وعرّفه النوويّ رحمه اللهُ تعالى في "أذكاره"، تعريفًا مفصّلًا، فقال: فأما الغيبة: فهي ذكرك الإنسان بما فيه، مما يَكرَه، سواء كان في بدنه، أو دينه، أو دنياه، أو نفسه، أو خَلْقه، أو خُلُقه، أو ماله، أو ولده، أو والده، أو زوجته، أو خادمه، أو مملوكه، أو عمامته، أو ثوبه، أو مِشْيته، وحركته، وبشاشته، وخلاعته، وعبوسه، وطلاقته، أو غير ذلك مما يتعلّق به، سواء ذكرته بلفظك، أو كتابك، أو رمزت، أو أشرت إليه بعينك، أو يدك، أو رأسك، أو نحو ذلك.

أما البدن، فكقولك: أعمى، أعرج، أعمش، أقرع، قصير، طويل، أسود، أصفر. وأما الدين فكقولك: فاسق، سارق، خائن، ظالم، متهاون بالصلاة، متساهل في النجاسات، ليس بارّا بوالديه، لا يضع الزكاة مواضعها، لا يجتنب الغيبة. وأما الدنيا، فكقولك: قليل الأدب، يتهاون بالناس، لا يرى لأحد عليه حقّا، كثير الكلام، كئير الأكل، أو النوم، ينام في غير وقته، يجلس في غير موضعه. وأما المتعلّق بوالده، فكقولك: أبوه فاسق، أو زنجيّ، أو حدّاد، أو حائك. وأما الخلق فكقولك: سيىء الخلق، متكبر، مراء، ونحوه. وأما الثوب، فكواسع الكم، طويل الذيل، وسخ


(١) "المصباح المنير" ٢/ ٤٥٨.
(٢) "القاموس المحيط" ص ١١٢.
(٣) "لسان العرب" ١/ ٦٥٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>