للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي حِفْظِهِ أَوْ كُتْبِهِ أَوْ بَصَرِهْ ... ثُمَّ رَوَى بَعْدُ لِغَيْرِ خَبَرِهْ

أَشَدُّ الأَصْنَافِ جمِيعًا ضَرَرَا ... مَنْ زُهْدُهُ بَيْنَ الْعِبَادِ ظَهَرَا

يَقْبَلُ مَوْضُوعَاتِهِمْ كَثِيرُ ... مِمَّنْ عَلَى نَمَطِهِمْ يَسِيرُ

وَمِثْلُهُمْ مَنْ جَوَّزُوا أَنْ يُنْسَبَا ... إِلَى النَّبِي مَا بِالْقِيَاسِ يُجْتَبَى

ثُمَّةَ ذَا الأَخِيرُ حَقًّا أَخْفَى ... وَغَيْرُهُ أَظْهَرُ مِنْ أَنْ يَخْفَى

والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

المسألة الرابعة: قال الحافظ ابن كثير رحمه اللهُ تعالى: حُكي عن بعض المتكلّمين إنكار وقوع الوضع بالكلّيّة، وهذا القائل إما لا وجود له، أو هو في غاية البعد عن ممارسة العلوم الشرعيّة، وقد حاول بعضهم الردّ عليه بأنه قد ورد عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "سيُكذب عليّ"، فإن كان هذا صحيحًا، فسيقع الكذب عليه لا مَحالة، وإن كان كذبًا، فقد حصل المطلوب.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الحديث مما بُحث عنه، فلم يوجد، كما نبّه عليه الجلال المحليّ في "شرح جمع الجوامع"، فيكون مثالًا للموضوع. والله تعالى أعلم.

قال: وأُجيب عن الأول بأنه لا يلزم وقوعه الآن، إذ بقي إلى يوم القيامة أزمان يمكن أن يقع فيها ما ذُكر.

وهذا القول، والاستدلال عليه، والجواب عنه من أضعف الأشياء عند أئمة الحديث، وحفّاظه الذين كانوا يتضلّعون من حفظ الصحاح، ويحفظون أمثالها، وأضعافها من المكذوبات؛ خشية أن تروج عليهم، أو على أحد من الناس. انتهى.

وإلى هذا أشرت في "تذكرة الطالبين" بقولي:

قَالَ الْعِمَادُ بَعْضُهُمْ قَدْ أَنْكَرَا ... وُقُوعَ مَوضُوعٍ وَهَذَا أُنْكِرَا

فَرّدَّهُ بعْضٌ بِأَنَّهُ وَرَدْ ... عَنْهُ "سَيُكْذَبُ" فَإِنْ صَحَّ السَّنَدْ

فَلَازِمٌ وُقُوعُهُ أَوْ لَا فَذَا ... يُحَصِّلُ الْمَقْصُودَ فَافْهَمْ يَا هَذَا

والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

المسألة الخامسة: قال العلّامة ابن عراق رحمه اللهُ تعالى: قال السيف أحمد بن أبي المجد: أطلق ابن الجوزيّ الوضع على أحاديث؛ لكلام بعض الناس في رُواتها، كقوله: فلان ضعيف، أو ليس بالقويّ، ونحوهما، وليس ذلك الحديث مما يشهد القلب ببطلانه، ولا فيه مخالفة لكتاب، ولا سنّة، ولا إجماع، ولا يُنكره عقلٌ، ولا نقلٌ، ولا حجةَ معه لوضعه سوى كلام ذلك الرجل في رُواته، وهذا عدوان، ومجازفة. انتهى.

<<  <  ج: ص:  >  >>