للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا إذا ارتفعت منزلته عن التهمة، فأما من رواه تامًّا، ثم خاف إن رواه ثانيًا ناقصًا أن يُتّهمَ بزيادة أوّلًا، أو نسيان لغفلة، وقلّة ضبط ثانيًا، فلا يجوز له النقصان ثانيًا، ولا ابتداءً، إن كان قد تعيّن عليه أداؤه.

وأما تقطيع المصنّفين الحديث الواحد في الأبواب، فهو بالجواز أولى، بل يبعد طرد الخلاف فيه، وقد استقرّ عليه الأئمة الحفّاظ الجلّة، من المحدّثين، وغيرهم، من أصناف العلماء.

وهذا معنى قول الإمام مسلم رَحِمَهُ اللهُ تعالى: "أو أن يُفصّل ذلك المعنى ... الخ". قاله النوويّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى (١).

وإلى هذا المعنى أشار الحافظ السيوطيّ في "ألفية الحديث"، حيث قال:

وَجَائِزٌ حَذْفُكَ بَعْضَ الْخَبَرِ ... إِنْ لم يُخِلَّ الْبَاقِي عِنْدَ الأَكْثَرِ

وَامْنَعْ لِذِي تُهَمَةٍ فَإِنْ فَعَلْ ... فَلَا يُكَمِّلْ خَوْفَ لَبْسٍ بِخَلَلْ

وَالْخُلْفُ فِي التَّقْطِيعِ فِي التَّصْنِيفِ ... يَجْرِي وَأَوْلَى مِنْهُ بِالتَّخْفِيفِ (٢)

والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

قال المصنّف رَحِمَهُ اللهُ تعالى، مبيّنا القسم الأول من الأقسام الثلاثة التي قسّم الأخبار إليها، فقال:

(فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ، فَإِنَّا نَتَوخَّى أَنْ نُقَدِّمَ الْأَخْبَارَ الَّتِي هِيَ أَسْلَمُ مِنَ الْعُيُوب مِنْ غَيْرِهَا وَأَنْقَى، مِنْ أَنْ يَكُونَ نَاقِلُوهَا أَهْلَ اسْتِقَامَةٍ فِي الْحَدِيثِ، وَإِتْقَانٍ لِمَا نَقَلُوا، لم يُوجَدْ فِي رِوَايَتِهِمُ اخْتِلَافٌ شَدِيدٌ، وَلَا تَخْلِيطٌ فَاحِشٌ، كَمَا قَدْ عُثِرَ فِيهِ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ، وَبَانَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِهِمْ).

إيضاح المعنى الإجماليّ لهذه الفقرة:

بيّن رَحِمَهُ اللهُ تعالى في هذه الفقرة أن القسم الأول من الأقسام الثلاثة التي قسّم الأخبار إليها أن يُقدّم الأخبار التي هي أسلم من العلل، وأنظف من الخلل؛ لكون رواتها أهل استقامة في الرواية، وإتقان لما رووه، والمراد بالاستقامة العدالة، وبالإتقان الحفظ والضبط، ثم المراد بالضبط الضبط التامّ، كما أشار إليه بقوله: "لم يوجد في رواياتهم اختلاف الخ"، يعني أنهم إذا رووا ما رواه الحفاظ لا يخالفونهم اختلافًا يضرّ برواياتهم، وأشار به إلى أن الاختلاف اليسير لا يضرّ؛ لأنه لا يخلوا عنه الحفّاظ


(١) "شرح مسلم" ١/ ٤٩.
(٢) "ألفية الحديث" ص ١٦٥ بنسخة أحمد محمد شاكر رحمه الله تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>