للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واحتج هؤلاء بقوله تعالى: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} الآية [النحل: ٨]، ولم يذكر الأكل، وذَكَرَ الأكل من الأنعام في الآية التي قبلها، وبحديث صالح بن يحيى بن المقدم، عن أبيه، عن جده، عن خالد بن الوليد: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن لحوم الخيل والبغال والحمير، وكلِّ ذي ناب"، رواه أبو داود، والنسائيّ، وابن ماجه، من رواية بقيّة بن الوليد، عن صالح بن يحيى، وقد اتفق العلماء، من أئمة الحديث وغيرهم، على أنه حديث ضعيف، وقال بعضهم: هو منسوخ، رَوَى الدارقطنيّ، والبيهقيّ بإسنادهما عن موسى بن هارون الحمال -بالحاء- الحافظ قال: هذا حديث ضعيف، قال: ولا يعرف صالح بن يحيى، ولا أبوه. وقال البخاريّ: هذا الحديث فيه نظر. وقال البيقهيّ: هذا إسناد مضطرب. وقال الخطابيّ: في إسناده نظر. قال: وصالح بن يحيى، عن أبيه، عن جده لا يعرف سماع بعضهم من بعض. وقال أبو داود: هذا الحديث منسوخ. وقال النسائيّ: حديث الإباحة أصح، قال: ويشبه إن كان هذا صحيحًا أن يكون منسوخًا.

واحتج الجمهور بأحاديث الإباحة التي ذكرها مسلم وغيره، وهي صحيحة صريحة، وبأحاديث أُخَر صحيحةٍ، جاءت بالإباحة، ولم يثبت في النهي حديث، وأما الآية فأجابوا عنها بأن ذِكْرَ الركوب والزينة لا يدل على أنّ منفعتهما مختصة بذلك، فإنما خُصَّ هذان بالذكر؛ لأنهما معظم المقصود من الخيل، كقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} الآية [المائدة: ٣]، فذَكَرَ اللحم؛ لأنه أعظم المقصود، وقد أجمع المسلمون على تحريم شحمه، ودمه، وسائر أجزائه، قالوا: ولهذا سكت عن ذكر حَمْل الأثقال على الخيل، مع قوله تعالى في الأنعام: {وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ} الآية [النحل: ٧]، ولم يَلزَم من هذا تحريم حمل الأثقال على الخيل. قاله النوويّ في "شرحه" (١).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تبيّن بما سبق أن ما ذهب إليه الجمهور من إباحة أكل لحوم الخيل هو الصواب؛ لوضوح أدلّته. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الثالثة): في اختلاف أهل العلم في أكل لحوم الحمر الأهليّة:

ذهب الجمهور من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم إلى تحريم لحومها للأحاديث الصحيحة الصريحة في ذلك، كحديث عليّ -رضي الله عنه-: "إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن متعة النساء يوم خيبر، وعن لحوم الحمر الإنسيّة"، وحديث أبي ثعلبة الخُشَنيّ -رضي الله عنه-: "حرّم


(١) "شرح النوويّ" ١٣/ ٩٥ - ٩٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>