للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكثير، فطلب القليل الصحيح للعوامّ أولى بهم من استكثار الضعيف؛ لأنهم لا ينتفعون به، وإنما ينتفع بذلك من رزقه الله تعالى نوعًا من اليقظة، والتمييز بين الصحيح والسقيم، ومعرفة أسباب الضعف والعلل، فإن ذلك هو الذي يستفيد، فأما العوامّ الذين ليس لهم يقظة ولا معرفة، فلا فائدة في استكثارهم من جمع الضعيف؛ حيث إنهم عاجزون عن ضبط القليل الصحيح، فكيف يُرجَى لهم الانتفاع بالكثير الضعيف. والله تعالى أعلم.

الشرح التفصيليّ لهذه الفقرة:

(فَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ) أي الحال؛ لأن الأمر يُطلق بمعنى الحال، وجمعه أُمور، كفلس وفلوس، ومنه قوله عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ} [هود: ٩٧]. أفاده الفيّوميّ (١). وقوله: (فِي هَذَا) إشارة إلى علم الحديث الذي تقدّم له الإشارة إليه في قوله: "أن ضبط القليل من هذا الشأن" (كَمَا وَصَفْنَا) من أن ضبط القليل أيسر من معالجة الكثير، ولا سيما عند من لا يقدر على التمييز بين الصحيح والسقيم إلا بِمُوَقّف يرشده إلى ذلك (فَالْقَصْدُ) أي الطلب، يقال: قصدتُ الشيءَ، وله، وإليه قصدًا، من باب ضرب: طلبته بعينه. قاله الفيّوميّ (مِنْهُ) أي من هذا الشأن بمعنى علم الحديث (إِلَى الصَّحِيحِ) أي إلى الحديث الذي استوفى الشروط المعتبرة في قبوله، كما سيجيء شرحها قريبا -إن شاء الله تعالى- (الْقَلِيلِ، أَوْلَى بِهِمْ) أي أحقّ بهؤلاء العوامّ الذين لا تمييز لهم بأنفسهم (مِنَ ازْدِيَادِ السَّقِيمِ) "الازدياد": افتعال من الزيادة، قال في "اللسان": يقال للرجل يُعطَى شيئًا: هل تزداد؟ ، المعنى: هل تطلب زيادة على ما أعطيتك؟ . انتهى (٢). و"السقيم": ضدّ الصحيح، والمراد به الحديث الضعيف.

والمعنى هنا: أن طلب الحديث القليل من الحديث الصحيح أولى لهؤلاء العَوَامّ من طلب الكثير من الحديث الضعيف.

(وَإِنَّمَا يُرْجَى) بالبناء للمفعول، يقال: رجوتُه أرجوه رُجُوّا بضمتين على فُعُول، من باب قعد: أمّلته، أو أردته، قال تعالى: {لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا} [النور: ٦٠]: أي لا يُريدونه، والاسم الرجاء بالمدّ، ورجيته أرجيه، بالياء، من باب رمى لغةٌ، ويُستعمل بمعنى الخوف؛ لأن الراجي يَخَاف أنه لا يُدرك ما يترجّاه. قاله الفيّوميّ (٣).

قلت: المناسب هنا المعنى الأول. ونائب فاعله قوله (بَعْضُ"الْمَنْفَعَةِ) -بفتح


(١) "المصباح المنير" ١/ ٢١.
(٢) "لسان العرب" ٣/ ١٩٩.
(٣) "المصباح المنير" ١/ ٢٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>