للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يوجد منهما، ولا من أحدهما لا تصريحًا، ولا إشارةً أن ما تركاه فيه علّة خفية منعتهما من إخراجه، بل صرّحا بخلافه، فقد صحّ عن البخاريّ قوله: "ما أدخلت في كتابي الجامع إلا ما صحّ، وتركت من الصحاح لحال الطول" (١). وصح عن مسلم أنه قال لابن وارة لَمّا لامه: "إنما أخرجت هذا الكتاب، وقلت: صحيح، ولم أقل: إن ما لم أخرجه من الحديث في هذا الكتاب ضعيف". وقد سبق بيان هذا.

وأيضًا لو سلكنا هذا المسلك لترتّبت عليه مفسدة عظيمة، وذلك تشكيك الأمة أن كلّ ما ليس في "الصحيحين" من الحديث معلّ، وهذا هو الذي خشيه الإمامان: أبو زرعة الرازي، وابن وراة، كما تقدّم بيان ذلك. فليُتنبّه. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

[المسألة الثانية عشرة: في ذكر المستخرجات على الكتابين]

اعلم: أن الاستخراج هو أن يأتي المصنّف إلى كتاب من الكتب المصنفة، فيخرّج أحاديثه بأسانيدَ لنفسه، من غير طريق صاحب ذلك الكتاب، ويجتمع معه في شيخه، أو من فوقه. قال الحافظ رحمهُ اللهُ تعالى وشرطه أن لا يصل إلى شيخ أبعد حتى يَفقِد سندًا يوصله إلى الأقرب إلا لعذر من علوّ، أو زيادة مهمّة. قال: ولذلك يقول أبو عوانة في "مستخرجه" على مسلم بعد أن يسوق طرق مسلم كلّها من هنا لمخرّجه، ثم يسوق أسانيد يجتمع فيها مع مسلم فيمن فوق ذلك، وربّما قال: من هنا لم يُخرّجاه، قال: ولا يُظنّ أنه -يعني البخاريّ ومسلمًا- فإني استقريت صنيعه في ذلك فوجدته إنما يعني مسلمًا وأبا الفضل أحمد بن سلمة، فإنه كان قرين مسلم، وصنّف مثل مسلم، وربّما أسقط المستخرج أحاديث لم يجد له بها سندًا يرتضيه، وربّما ذكرها من طريق صاحب الكتاب. أفاده في "التدريب" (٢).

وقال الحافظ السخاويّ رحمهُ اللهُ تعالى: الاستخراج أن يَعْمِد حافظ إلى "صحيح البخاريّ" مثلًا، فيورد أحاديثه حديثًا حديثًا بأسانيدَ لنفسه، غير ملتزم فيها ثقة الرواة، وإن شذّ بعضهم حيث جعله شرطًا، من غير طريق البخاريّ إلى أن يلتقي معه في شيخه، أو في شيخ شيخه، وهكذا، ولو في الصحابيّ، كما صرّح به بعضهم. لكن لا يسوغ للمخرج العدول عن الطريق التي يقرب اجتماعه مع مصنّف الأصل فيها إلى الطريق البعيدة إلا لغرض من علوّ، أو زيادة حكم مهمّ، أو نحو ذلك. ومقتضى الاكتفاء بالالتقاء في الصحابيّ أنهما لو اتّفقا في الشيخ مثلًا، ولم يتّحد سنده عندهما، ثم


(١) "مقدمة ابن الصلاح" ص ١٥ - ١٦.
(٢) "التدريب" ١/ ١١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>