للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسألة التاسعة: هل "صحيح مسلم" يُعدّ من "الجوامع، أم لا"؟

اعلم: أن "الجامع" في اصطلاح المحدّثين -كما قال العلامة الشاه عبد العزيز الدهلويّ رحمهُ اللهُ تعالى- هو الكتاب الذي توجد فيه أقسام الحديث الثمانية، وهي: العقائد، والأحكام، والرقاق، والآداب، والتفسير، والسير، والفتن، والمناقب (١)، وقد نظمتها بقولي:

الْجَامِعُ الَّذِي حَوَى مَنَاقِبَا ... وَسِيَرًا وَفِتَنًا وَأَدَبَا

تَفْسِيرًا الرِّقَاقَ وَالْعَقَائِدَا ... وَالثَّامِنُ الأَحْكَامُ خُذْ نِلْتَ الْهُدَى

و"صحيح مسلم" مشتمل على هذه الأصناف كلها، فلذا ينبغي أن يُعدّ من الجوامع، وقد عدّه جماعة منها، مثل مجد الدين الفيروزآبادي، صاحب "القاموس المحيط"، حيث قال:

قَرَأْتُ بِحَمْدِ اللهِ جَامِعَ مُسْلِمٍ ... بِجَوْفِ دِمَشْقِ الشَّامِ جَوْفٍ لإِسْلامِ

عَلَى نَاصِرِ الدِّينِ الإِمَام ابْنِ جَهْبَلٍ ... بِحَضْرَةِ حُفَّاظٍ مَشَاهِيرَ أَعْلامِ

وَتَمَّ بِتَوْفِيقِ الإِلَهَ وَفَضْلِهِ ... قِرَاءَةَ ضَبْطٍ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامِ

وقد نازع الدهلويّ في ذلك، فقال: و"الجامع" من الصحاح الترمذيُّ، والبخاريُّ، وأما "صحيح مسلم" فليس بجامع؛ لقلّة التفسير فيه.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: كلام الدهلويّ فيه نظرٌ لا يخفى، فالحقّ عدُّه من الجوامع؛ لوجود تلك الأصناف فيه، ولا يكون قلة أحاديث التفسير سببًا في عدم عدّه منها؛ لأن قلّتها يعود إلى قلّة الأحاديث الصحيحة المرفوعة الواردة فيه، ولا سيّما ما كان على شرط الشيخين، ولذا ترى أحاديث التفسير في كتاب البخاريّ إما مكرّرةً في كثير من أبوابه، وإما آثارًا موقوفةً، وأقوالًا لغويّةً، غير مرفوعة، وما عدا ذلك قليل، ومعروف أن مسلما مُجانب للتكرار، ومباعد عن نقل الأقوال والآثار الموقوفة إلا نادرًا، فهذا هو السبب في قلّة أحاديث التفسير فيه.

والحاصل أن الأصناف الثمانية التي يستحقّ بها اسم الجامع متوفّرة فيه، فلا وجه لإنكار إطلاقه عليه، فتبصّر بالإنصاف، ولا تتحيّر بتقليد ذوي الاعتساف. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

المسألة العاشرة: في بيان الجواب عن انتقاد بعض الحفّاظ النُّقّاد على الإمام مسلم رحمهُ اللهُ تعالى فىِ روايته في "صحيحه" عن بعض من تُكُلّم فيهم


(١) انظر تفاصيل هذه الأقسام في "مقدّمة تحفة الأحوذيّ" ١/ ٥١ - ٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>