للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الشيخ أبو عمرو رحمهُ اللهُ تعالى: عاب عائبون مسلما بروايته في "صحيحه" عن جماعة من الضعفاء، أو المتوسطين الواقعين في الطبقة الثانية، الذين ليسوا من شرط الصحيح أيضًا. والجواب: أن ذلك لأحد أسباب، لا مَعَاب عليه معها:

[أحدها]: أن يكون ذلك فيمن هو ضعيف عند غيره، ثقة عنده، ولا يقال: إن الجرح مقدم على التعديل، وهذا تقديم للتعديل على الجرح؛ لأن الذي ذكرناه محمول على ما إذا كان الجرح غير مفسر السبب، فإنه لا يعمل به، وقد جَلَّيتُ في كتاب "معرفة علوم الحديث" حملَ الخطيب أبي بكر البغداديّ الحافظ على ذلك احتجاج صاحبي "الصحيحين"، وأبي داود، وغيرهم بجماعة عُلِمَ الطعن فيهم من غيرهم. ويحتمل أيضًا أن يكون ذلك فيما بَيَّنَ الجارح فيه السبب، واستبان مسلم بطلانه. والله تعالى أعلم.

[الثاني]: أن يكون ذلك واقعا في الشواهد والمتابعات، لا في الأصول، وذلك بأن يذكر الحديث أوّلا بإسناد نظيف، رجاله ثقات، ويجعله أصلًا، تم يُتبع ذلك بإسناد آخر، أو أسانيد فيها بعض الضعفاء على وجه التأكيد بالمتابعة، أو لزيادة فيه تُنَبِّهُ على فائدة فيما قدمه. وبالمتابعة والاستشهاد اعتذر الحاكم، أبو عبد الله في إخراجه عن جماعة، ليسوا من شرط "الصحيح"، منهم مَطَرٌ الوراق، وبَقِيَّةُ بنُ الوليد، ومحمد بن إسحاق بن يسار، وعبد الله بن عمر العمري، والنعمان بن راشد، أخرج مسلم عنهم في الشواهد، في أشباه لهم كثيرين. والله تعالى أعلم.

[الثالث]: أن يكون ضعف الضعيف الذي احتج به طرأ بعد أخذه عنه، باختلاطٍ حَدَثَ عليه، غيرِ قادح فيما رواه من قبلُ، في زمان سَدَاده، واستقامته، كما في أحمد ابن عبد الرحمن بن وهب ابن أخي عبد الله بن وهب، فذكر الحاكم، أبو عبد الله، أنه اختلط بعد الخمسين ومائتين، بعد خروج مسلم من مصر، فهو في ذلك، كسعيد بن أبي عروبة، وعبد الرزاق، وغيرهما ممن اختلط آخرًا، ولم يَمْنَع ذلك من الاحتجاج في "الصحيحين" بما أُخذ عنهم قبل ذلك.

قال أبو عمرو: قرأت بنيسابور على الشيخة الصالحة، الوافر حظ أهلها من خدمة الحديث، زينب بنت عبد الرحمن بن الحسن الجرجاني رحمها الله وإيانا، عن الإمام أبي عبد الله الْفُرَاوي، وزاهر بن طاهر المستملي، عن الإمام أبي عثمان، إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني وغيره، قالوا: أخبرنا الحاكم، أبو عبد الله الحافظ، قراءة عليه، قال: سمعت أبا أحمد الحافظ، سمعت أبا بكر محمد بن علي بن النجار، سمعت إبراهيم بن أبي طالب، يقول: قلت لمسلم بن الحجاج: قد أكثرت الرواية في كتابك "الصحيح" عن أحمد بن عبد الرحمن الوَهْبيّ، وحاله قد ظَهَر؟ فقال: إنما نقمُوا عليه بعد خروجي من مصر. والله تعالى أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>