للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنما ترك الرواية عنه، فأَما أن يكون يتكلم فيه فلا أحفظه، وقد روى عنه الثقات والأئمة، وكان دَيِّنًا عفيفًا. وقال أحمد بن الْبَرْقِيّ: سألت يحيى عن قول بعض الناس في سعد: إنه كان يرى القدر، وترك مالك الرواية عنه، فقال: لم يكن يرى القدر، وإنما ترك مالك الرواية عنه؛ لأنه تكلم في نسب مالك، فكان مالك لا يروي عنه، وهو ثبت، لا شك فيه. وقال ابن عيينة: قال ابن جريج: أتيت الزهري بكتاب أَعْرِض عليه، فقلت: أعرض عليك؟ فقال: إني وعدت سعدا في ابنه، وسعد سعدٌ، قال ابن جريجٍ: فقلت: ما أَشَدَّ ما تَفْرَق منه. وذكره ابن المديني في الطبقة الثالثة من الرواة عن نافع. وقال يعقوب بن إبراهيم بن سعد، عن أبيه: سرد سعد الصوم قبل أن يموت بأربعين سنة. قال إبراهيم ابنه: مات سنة خمس وعشرين ومائة. وقال يعقوب بن إبراهيم: مات سنة (٢٦)، وقال مرّة: سنة (٢٧)، وهو ابن (٧٢) سنة. وقال خليفة وغير واحد: مات سنة (٧). وقال خليفة مرّة: مات سنة (٨). وأرخه ابن سعد، وابن حبان في "الثقات" سنة (٢٧)، وحكى ابن حبان الخلاف في وفاته أيضًا.

وقال في "التقريب": ثقة، فاضلٌ، عابدٌ، من الخامسة. انتهى.

أخرج له الجماعة، وله في "صحيح مسلم" (٣٤) حديثًا. والله تعالى أعلم.

[شرح الأثر]

(عَنْ مِسْعَرٍ) بن كِدام، أنه (قَالَ: سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ يَقُولُ: لَا يُحَدِّثُ) يحتمل أن تكون "لا" ناهية، والفعل مجزوم، فيكون نهيًا عن التحديث. ويحتمل أن تكون نافية، والفعل مرفوع، فيكون نفيًا للتحديث، لكن النفي هنا معناه النهي: أي لا يجوز أن يُحدّث (عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا الثِّقَاتُ) بالرفع على الفاعلية؛ لأن الاستثناء مفرّغ. والمراد من النهي عن تحديث غير الثقات عدم قبول رواياتهم، فالمعنى: لا يُقبَلُ حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا من الثقات. وهذا الذي قاله سعد بن إبراهيم رَحِمَهُ اللهُ تعالى نُقل معناه عن غيره أيضًا، فقد نُقل عن عقبة بن نافع أنه قال لبنيه: يا بَنِيّ لا تقبلوا الحديث إلا من ثقة. وقال ابن معين: كان فيما أوصى به صُهيب بنيه أن قال: يا بَنِيّ لا تقبلوا الحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا من ثقة. وقال ابن عون: لا تأخذوا العلم إلا ممن شُهِد له بالطلب. وقال سليمان بن موسى: لا يؤخذ العلم من صَحَفيّ. وقال أيضًا: قلت لطاوس: إن فلانًا حدّثني بكذا وكذا، فقال: إن كان مثَبَّتًا فخذ عنه. انتهى (١). والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.


(١) "المفهم" ١/ ١٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>