للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقد ظهر بهذا أن دعوى مسلم الإجماع غير مسلّمة، بل العكس هو الأقرب، فتبصّر بإنصاف، ولا تتهوَّر بالاعتساف.

وقد ألّف بعض المعاصرين رسالة في دعم ما ادّعاه مسلم رحمه الله من الإجماع، فطوّل نفسه، ولم يأت بشيء مُقنِع، وإنما هو مجرّد مصاولة ومجاولة من غير تحقيق، ولا تدقيق، وإن ادّعى ذلك هو، فلا يُهولنّك ما طوّل به نفسه، فاقرأه بتأمل وإنصاف، ترى ما فيه من الاعتساف. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

ثم واصل مسلم رحمه الله تعالى مناقشته للمنتحل المذكور، فقال:

(وَإِنْ هُوَ ادَّعَى فِيمَا زَعَمَ دَلِيلًا يَحْتَجُّ بِهِ، قِيلَ لَهُ: وَمَا ذَاكَ الدَّلِيلُ، فَإِنْ قَالَ: قُلْتُهُ لِأَنِّي وَجَدْتُ رُوَاةَ الْأَخْبَارِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا، يَرْوِي أَحَدُهُمْ عَنِ الْآخَرِ الْحَدِيثَ، وَلَمَّا يُعَايِنْهُ، وَلَا سَمِعَ مِنْهُ شَيْئًا قَطُّ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمُ اسْتَجَازُوا رِوَايَةَ الْحَدِيثِ بَيْنَهُمْ هَكَذَا، عَلَى الْإِرْسَالِ مِنْ غَيْرِ سَمَاعٍ، وَالْمُرْسَلُ مِنَ الرِّوَايَاتِ فِي أَصْلِ قَوْلِنَا، وَقَوْلِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْأَخْبَارِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، احْتَجْتُ لِمَا وَصَفْتُ مِنَ الْعِلَّةِ إِلَى الْبَحْثِ عَنْ سَمَاعِ رَاوِي كُلِّ خَبَرٍ عَنْ رَاوِيهِ، فَإِذَا أَنَا هَجَمْتُ عَلَى سَمَاعِهِ مِنْهُ لِأَدْنَى شَيْءٍ، ثَبَتَ عَنْهُ عِنْدِي بِذَلِكَ جَمِيعُ مَا يَرْوِي عَنْهُ بَعْدُ، فَإِنْ عَزَبَ عَنِّي مَعْرِفَةُ ذَلِكَ، أَوْقَفْتُ الْخَبَرَ، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدِي مَوْضِعَ حُجَّةٍ؛ لِإِمْكَانِ الْإِرْسَالِ فِيهِ. فَيُقَالُ لَهُ: فَإِنْ كَانَتِ الْعِلَّةُ فِي تَضْعِيفِكَ الْخَبَرَ، وَتَرْكِكَ الِاحْتِجَاجَ بِهِ إِمْكَانَ الْإِرْسَالِ فِيهِ، لَزِمَكَ أَنْ لَا تُثْبِتَ إِسنَادًا مُعَنْعَنًا، حَتَّى تَرَى فِيهِ السَّمَاعَ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ).

إيضاح المعنى الإجماليّ لهذه الفقرة:

واصل رحمه الله تعالى بهذا الكلام مناقشته للمخترع بأنه إن ادّعى دليلًا على ما اخترعه نُطالبه به، فإن قال: إنما قلت ذلك لأني وجدت المحدثين المتقدّمين والمتأخّرين أجازوا الرواية عمن لم يُعاينوه، ولم يسمعوا منه أصلًا، وهذا هو الإرسال، بعينه، والقاعدة عند أهل الحديث أن المرسل لا يُحتجّ به؛ لأجل الانقطاع، فلما رأيت ذلك احتجت للبحث عن سماع كلّ راو عمن روى عنه، ولو مرّةً واحدةً، فإذا وجدت ذلك ثبت عندي بسبب ذلك جميع ما يروي عن ذلك الشخص، وإن لم أجد شيئًا من ذلك توقّفت عن العمل بذلك الحديث؛ لاحتمال الإرسال الموجب لعدم القبول.

هذا خلاصة ما استدلّ به المخترع المذكور حسبما أشار إليه المصنّف بكلامه هذا، فردّ المصنّف رحمه الله تعالى عليه، قائلًا:

<<  <  ج: ص:  >  >>