للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الآحاد حجة يجب العمل بها بالإجماع في الجملة، وإنما ننازعك في قبول المعنعن منها مُكتَفىً فيه بالمعاصرة فقط، وإجماعك لا يتناول ذلك، وما ادعيت من أنا أدخلنا فيه الشرط زائدًا، فلنا أن نعكسه عليك، بأن نقول: بل أنت نقصت من الإجماع شرطًا، فإنا قد اتفقنا نحن وأنت على قبول المعنعن المدلس، إذا كان قد ثبت لقاؤه له، فنقصت أنت من شروط الإجماع شرطًا، فتتوجه عليك المطالبة بالدليل على إسقاطه، وكأنك لَمّا استشعرت توجه المطالبة عدلت باشتراط السماع في كل حديث حديث، وقد تقدم الجواب عنه.

وتَبَيَّن الآنَ أنّا قائلون بمحل الإجماع، وأنا لم نزد شرطًا، بل أنت نقصته، ففَلَجَت حجة خصمك عليك.

وأما الحجة التي طلبتَ على صحة مذهبنا، فقد قدمناها بما أغنى عن الإعادة فليراجعها من يناضل عنك (١).

ثم نقول: إنك -يرحمك الله- استشعرت خَرْمَ ما ذكرتَ من الإجماع لَمّا كان عندك استقرائيا بما توقعت أن يُنقَل لك من الخلاف، فعدلت إلى المطالبة بالحجة، وذلك توهين منك لنقل الإجماع في محل النزاع، على أنا لم نُسَلِّم لك أنه يتناول محل الخلاف -والله تعالى الموفق والمرشد-. انتهى كلام ابن رُشيد رحمه الله تعالى.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: حاصل ما ردّ به ابن رُشيد على دليل مسلم رحمهما الله تعالى نقض ما أبرمه بزعمه من دعوى الإجماع، فقد تبيّن أنه لا إجماع فيما ادّعاه، بل لو قيل: إن الإجماع على خلاف ما ادّعاه، لما استُبعِد.

وقد ذكر ابن رجب شواهد من أقوال أحمد بن حنبل، وأبي حاتم الرازيّ، وأبي زرعة الرازيّ، وغيرهم تدلّ على اشتراطهم السماع، ثم أعقب ذلك بقوله فإذا كان هذا هو قول هؤلاء الأئمة الأعلام، وهم أعلم أهل زمانهم بالحديث وعلله، وصحيحه وسقيمه، ومع موافقة البخاريّ وغيره، فكيف يصحّ لمسلم رحمه الله دعوى الإجماع على خلاف قولهم؟ ، بل اتّفاق هؤلاء الأئمة على قولهم هذا يقتضي حكاية إجماع الحفاظ المعتدّ بهم على هذا القول، وأن القول بخلاف قولهم لا يُعرف عن أحد من نظرائهم، ولا عمن قبلهم ممن هو في درجتهم وحفظهم. انتهى كلام ابن رجب (٢).


(١) يريد بذلك ما ذكره في المذهب الثالث الذي يُعزى إلى البخاريّ، وشيخه، بل عزاه ابن رجب إلى جمهور المتقدّمين.
(٢) "شرح علل الترمذيّ" ١/ ٣٧٢ - ٣٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>