للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَبِيلًا) أي لعدم قولهم بذلك، وإجماعهم على خلافه، حسبما رآه المصنّف.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا أول دليل من أدلّة الإمام مسلم رحمه الله تعالى التي ساقها لإثبات مذهبه، ودحض قول من قال بخلافه، حسبما رآه، ولكن أدلته لا تزال محلّ أخذ وردّ، فقد قام العلماء في مناقشتها، فمن أبرز من ناقشها العلّامةُ أبو عبد الله محمد بن عمر بن رُشيد الفِهْريّ (٦٥٧ - ٧٢١ هـ)، فقد تصدّى رحمه الله تعالى لذلك في رسالته المشهورة، فقد ذكر في مناقشة هذا الدليل: ما ملخّصه:

(اعلم): -وفقني الله وإياك للصواب- أن مسلما رحمه الله استدل على صحة قوله: إنه لا يشترط في الإسناد المعنعن إلا المعاصرة فقط (١)، بما مُحَصَّله على التلخيص والتخليص أربعة أدلة:

[الأول]: أنه قال: ما معناه: "قد اتفقنا نحن وأنتم على قبول خبر الواحد الثقة عن الواحد الثقة إذا ضمهما عصر واحد، وأنه حجة يلزم به العمل، ثم أدخلت فيه الشرط زائدا".

فحاصل هذا الكلام ادعاء الإجماع على قبول المعنعن الذي هذه صفته مطلقا من غير تقييد بشرط اللقاء (٢)، وهو أعم أدلته، فكأنه يقول: الإجماع يتضمنه بعمومه وإطلاقه، فمن أثبت الشرط طالبناه بالنقل عمن سلف، أو بالحجة عليه إن عجز عن النقل.

والجواب عن هذا الاستدلال: أنا لا نُحَكِّم دعواك الإجماع في محل النزاع؛ لما نقلناه في ذلك عمن سلف، كالبخاري أستاذك، وعلي بن المديني أستاذ أستاذك، ومكانهما من هذا الشأن شهرته مغنية عن ذكره، أي فكيف وقد تقرّر أنه مذهب جمهور المتقدّمين.

وإذا ثبت نقل الشرط الذي طالبتنا به بطل الإجماع الذي ادعيته في محل النزاع، وهو الاكتفاء في قبول المعنعن بشرط المعاصرة فقط (٣)، ولسنا ننازعك في أن أخبار


(١) هذا الكلام فيه قصور، فقد سبق غير مرّة أن الإمام مسلمًا لا يكتفي بمجرّد المعاصرة، بل لا بدّ أن ينضمّ إليها إمكان قويٌّ للقاء بين المتعاصرين، فإنه إذا انتفى ذلك لا يقبل المعنعن، فتنبّه. والله الهادي إلى سواء السبيل.
(٢) قد تقدّم أن الحقّ أنه لا يكفي مجرّد اللقاء فقط، بل لا بدّ من ثبوت السماع، فكان الأولى أن يقول: بشرط السماع ولو لمرّة واحدة، هذا مع السلامة من التدليس. نبّه عليه بعض المحققين.
(٣) قد عرفت قريبًا ما في هذا الإطلاق من المجازفة، فتنبّه.

<<  <  ج: ص:  >  >>