للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في الإسناد قد يقدح فيه وفي المتن أيضًا، كالإرسال والوقف، وقد يقدح في الإسناد خاصة، ويكون المتن معروفا صحيحا، كحديث يعلى بن عبيد الطنافسي، أحد رجال الصحيح، عن سفيان الثوري، عن عمرو بن دينار، عن ابن عمر، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، حديث البيعان بالخيار، غَلِط يعلى على سفيان، في قوله: "عمرو بن دينار"، إنما هو "عبد الله بن دينار"، هكذا رواه الأئمة من أصحاب سفيان، كأبي نعيم الفضل بن دكين، ومحمد بن يوسف الفريابي، ومخلد بن يزيد، وغيرهم. وإلى ذلك أشرت في "شافية الغلل" بقولي:

وَتَقَعُ الْعِلَّةُ فِي الإِسْنَادِ ... بِكَثْرَةٍ وَقَدْ تَجِي يَا صَادِي

فِي الْمَتْنِ وَالأَوَّلُ أَيْضًا قَدْ قَدَحْ ... فِي الثَّانِ كَالإِرْسَالِ أَوْ وَقْفٍ وَضَحْ

أَوْ فِيهِ وَالْمَتْنُ صَحِيحٌ مِثْلَمَا ... فِي الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ عُلِمَا

غَلِطَ يَعْلَى إِذْ رَوَى عَنْ عَمْرِو ... بَدَلَ عَبْدِ اللهِ كُنْ ذَا سَبْرِ

والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

المسألة الخامسة: في إطلاق العلة على غير ما تقدّم بيانه.

اعلم: أنه قد تُطلَق العلة على غير مقتضاها الذي قدمناه، من الأسباب الظاهرة القادحة، ككذب الراوي، وغفلته، وسوء حفظه، ونحوها من أسباب ضعف الحديث، وذلك موجود في كتب العلل بكثرة، وإلى هذا أشرت في "الشافية" بقولي:

وَأَطْلَقُوا الْعِلَّةَ أَيْضًا لِسِوَى ... مَا مَرَّ كَالْكِذْبِ وَفِسْقِ مَنْ رَوى

وِمِثْلَ سُوءِ حِفْظِهِ وَالْغَفْلَةِ ... وَنَحْوِهَا فَارْجِعْ لِكُتْبِ الْعِلَّةِ

والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

المسألة السادسة: هذا الذي تقدّم من إطلاق العلة على ما يقدح في صحة الحديث هو المشهور الكثير الإستعمال عند المحدّثين، وقد استعمل بعضهم، وهو أبو يعلى الخليلي في كتابه "الإرشاد"، العلة على مخالفة لا تقدح في صحة الحديث، كإرسال ما وصله الثقة الضابط، حتى قال: من الصحيح صحيح مُعَلٌّ، كما قيل: منه صحيح شاذ، ومَثَّلَ الصحيح المعل بحديث مالك: "للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف، ولا يكلّف من العمل إلا ما يُطيق"، فإنه أورده في "الموطإ" معضلا، ورواه عنه إبراهيم ابن طهمان، والنعمان بن عبد السلام موصولا، قال: فقد صار الحديث بتبَيُّن الإسناد صحيحا، يُعْتَمد عليه، قيل: وذلك عكس الْمُعَلّ، فإنه ما ظاهره السلامة، فاطُّلِعَ فيه بعد الفحص على قادح، وهذا كان ظاهره الإعلال بالإعضال، فلما فُتِّشَ تبين وصله.

وقد نُقِل عن الإمام الترمذي رحمه الله تعالى أنه سَمَّى النسخ علةً، قال العراقي: فإن

<<  <  ج: ص:  >  >>