للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واختُلف في معنى زيادة "اسم"، فقال قُطْرُب: زيدت لإجلال ذكره تعالى، وتعظيمه. وقال الأخفش: زيدت ليخرج الكلام بذكرها من حكم القَسَم إلى قصد التبرّك؛ لأن أصل الكلام بالله. قاله القرطبيّ (١). والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

[المسألة الحادية عشرة: في الكلام على لفظ الاسم الكريم]

اعلم: أن "الله" علم على الربّ عز وجل، يقال: إنه الاسم الأعظم، لأنه يوصف بجميع الصفات، كما قال تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (٢٢) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٢٣) هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٤} إلى آخر [سورة الحشر: ٢٤]، فأجرى الأسماء كلها صفات له، كما قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف: ١٨٠]، وقال تعالى: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الإسراء: ١١٠]. وفي "الصحيحين" عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن للَّه تسعة وتسعين اسمًا، مائة إلا واحدًا، من أحصاها دخل الجنّة".

وهو اسمٌ لم يُسمّ به غيره تبارك وتعالى، ولهذا لا يُعرف في كلام العرب له اشتقاف من فَعَلَ يَفعُل، فذهب من ذهب من النحاة إلى أنه اسم جامد، لا اشتقاق له. وقد نقله القرطبيّ عن جماعة من العلماء، منهم: الشافعيّ، والخطّابيّ، وإمام الحرمين، والغزاليّ، وغيرهم.

وروي عن الخليل، وسيبويه أن الألف واللام فيه لازمةٌ. قال الخطّابيّ: ألا ترى أنك تقول: يا ألله، ولا تقول: يا الرحمن، فلولا أنه من أصل الكلمة لَمَا جاز إدخال حرف النداء على الألف واللام.

وقيل: إنه مشتقّ، واستدلّوا عليه بقول رُؤْبَة بن العجاج [من الرجز]:

لِلَّهِ دَرُّ الْغَانِيَاتِ الْمُدَّهِ ... سَبَّحْنَ وَاسْتَرْجَعْنَ مِنْ تَأَلُّهِي

والمدّهُ جمع ماده، والمَدْهُ كالمَدْحِ وزنًا ومعنًى. فقد صرّح الشاعر بلفظ المصدر، وهو التألّه، من أَلِهَ يَأْلَهُ إِلاهَةً، وتأَلُّهًا، كما روي عن ابن عبّاس -رضي الله عنهم- أنه قرأ: "ويذرك، وإلاهتَكَ"، قال: عبادَتَك، أي أنه كان يُعبَدُ، ولا يَعْبُدُ، وكذا قال مجاهدٌ وغيره.


(١) تفسير القرطبيّ ج ١ ص ٩٨ - ٩٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>