للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الرابع]: أن يعلو بالشخص الضعيف إسناده، وهو عنده برواية الثقات نازل، فيذكر العالي، ولا يُطَوِّل بإضافة النازل إليه، مكتفيا بمعرفة أهل الشأن بذلك، قال أبو عمرو: وهذا العذر قد رويناه عنه تنصيصا، وهو على خلاف حاله فيما رواه أولا عن الثقات، ثم أتبعه بالمتابعة عن من هو دونهم، وكأن ذلك وقع منه على حسب حضور باعث النشاط وغيبته.

قال: فروينا عن سعيد بن عمرو البردعي، أنه حضر أبا زرعة الرازي، وذكر كتاب "الصحيح" الذي ألفه مسلم، ثم الفضل الصائغ على مثاله، وحَكَى إنكار أبي زرعة على مسلم، في كلام تركت ذكره منه، أنه أنكر عليه روايته فيه عن أسباط بن نصر، وقَطَن ابن نُسير، وأحمد بن عيسى المصري، وأنه قال أيضًا: يُطْرِقُ لأهل البدع علينا، فيجدون السبيل بأن يقولوا للحديث إذا احتُجّ به عليهم: ليس هذا في كتاب "الصحيح". قال سعيد بن عمرو: فلما رجعت إلى نيسابور في المرة الثانية، ذكرت لمسلم بن الحجاج إنكار أبي زرعة عليه، وروايته في كتاب "الصحيح" عن أسباط بن نصر، وقَطَن ابن نسير، وأحمد بن عيسى، قال لي مسلم: إنما قلت: صحيح، وإنما أدخلت من حديث أسباط، وقطن، وأحمد، ما قد رواه الثقات عن شيوخهم، إلا أنه ربما وقع إليّ عنهم بارتفاع، ويكون عندي من رواية أوثق منهم بنزول، فأقتصر على ذلك، وأصل الحديث معروف من رواية الثقات، وقَدِمَ مسلم بعد ذلك الرَّيَّ، فبلغني أنه خرج إلى أبي عبد الله، محمد بن مسلم بن وَارَةَ، فجفاه وعاتبه على هذا الكتاب، وقال له: نحوًا مما قاله لي أبو زرعة. إن هذا يُطْرِق لأهل البدع علينا، فاعتذر إليه مسلم، وقال: إنما أخرجت هذا الكتاب، وقلت: هو صحيح، ولم أقل: إن ما لم أخرجه من الحديث في هذا الكتاب ضعيف، ولكني إنما أخرجت هذا من الحديث الصحيح، ليكون مجموعا عندي، وعند من يكتبه عني، فلا يرتاب في صحتها، ولم أقل: إن ما سواه ضعيف، أو نحو ذلك، مما اعتذر به إلى محمد بن مسلم، فقَبِلَ عذره، وحَدَّثَه. والله تعالى أعلم.

وقد سبق عن مكي بن عبدان، أحد حفاظ نيسابور، قال: سمعت مسلما يقول: عَرَضت كتابي هذا على أبي زرعة الرازي، فكلُّ ما أشار أن له علة تركته، وكل ما قال: إنه صحيح، وليس له علة، فهو الذي أخرجته.

قال أبو عمرو: هذا مقام وَعْرٌ، وقد مَهّدته بواضح من القول، لم تره مجتمعا في مؤلف سبق، ولله الحمد.

وفيما ذكرته دليل على أن من حَكَمَ لشخص بمجرد رواية مسلم عنه في "صحيحه" بأنه من شرط الصحيح عند مسلم، فقد غفل، وأخطأ بل ذلك يتوقف على النظر في أنه كيف رَوَى عنه؟ وعلى أيّ وجه رَوَى عنه؟ على ما بَيّنّاه من انقسام ذلك. والله سبحانه

<<  <  ج: ص:  >  >>