للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استُشهدتُّ، قال: كذبت، ولكنك قاتلت لأن يقال: جريء، فقد قيل، ثم أُمر به، فسُحب على وجهه حتى أُلقي في النار. ورجل تعلم العلم وعلّمه، وقرأ القرآن، فأُتي به فعرّفه نعمه فعرفها، قال: فما عمِلتَ فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته، وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت، ولكنك تعلمت العلم ليقال: عالم، وقرأت القرآن ليقال: هو قارئ، فقد قيل، ثم أُمر به، فسُحب على وجهه حتى ألقي في النار. ورجل وسع الله عليه، وأعطاه من أصناف المال كله، فأُتي به، فعرّفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركتُ من سبيلٍ تُحب أن يُنفَقَ فيها إلا أنفقت فيها لك، قال: كذبتَ، ولكنك فعلت ليقال: هو جواد، فقد قيل، ثم أُمر به، فسُحب على وجهه ثم ألقي في النار".

اللهم بارك لنا فيما علّمتنا، وزدنا علمًا، ولا تجعل علمنا وبالًا علينا بمنك وكرمك، آمين آمين آمين.

(وَكَانَ) ذلك الذاهب هذا المذهب (بِأَنْ يُسَمَّى) بالبناء للمفعول (جَاهِلًا أَوْلَى مَنْ أَنْ يُنْسَبَ) بالبناء للمفعول أيضًا (إِلَى عِلْمٍ) أي لأن علمه لم ينفعه، فهو والجاهل سواء في عدم الانتفاع بالعلم، بل أسوأ حالًا؛ لما أسلفناه من الوعيد الشديد. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

مسائل تتعلّق بهذا الباب، "باب الكشف عن معايب الرواة":

اعلم -رحمك الله تعالى- أن هذا الباب من أهم الأبواب التي ينبغي العناية بها؛ لأن فيه خطرًا عظيمًا، حيث يتضمّن هتك عرض المسلم، وهو من أخطر المسالك، وأدهى المهالك، وقد قال الله عز وجل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا} الآية [الحجرات: ١٢]. وقد خطب النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع، فقال: "فإن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم بينكم حرام ... " الحديث، متّفقٌ عليه. وقال الإمام ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى: أعراض المسلمين حفرة من حفر النار، وقف على شفيرها طائفتان من الناس: المحدّثون، والحكام". وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام رحمه الله تعالى: إنه لا يجوز للشاهد أن يجرح بذنبين مهما أمكن الاكتفاء بأحدهما، فإن القدح إنما يجوز للضرورة، فليُقدّر بقدرها انتهى.

فإذا عرفت كون هذا الأمر من الخطورة بمكان، فينبغي أن نركّز فيه، ونوضّحه، حتى يتبيّن للناس ما فيه من العواقب الوخيمة، والنتائج الأليمة، فيكونوا على بصيرة من أمرهم، فنذكره في مسائل:

<<  <  ج: ص:  >  >>