للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَذْكُورًا} [الإنسان: ١] أي ثم كان. والثالث: أن منفيها لا يكون إلا قريبًا من الحال، فلا يقال: لما يقم زيد في العام الماضي. والرابع: كون منفيّها متوقّع الحصول غالبًا، نحو: {لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ} [ص: ٨] أي إلى الآن ما ذاقوه، وسيذوقونه. والخامس: جواز حذف مجزومها اختيارًا لدليل، كقاربتُ المدينة، ولَمّا: أي ولما أدخلها، ولا يجوز ذلك في "لم" إلا في الضرورة (١).

(وَلَا سَمِعَ مِنْهُ شَيْئًا قَطُّ) هذا صريح في أن المخترع يشترط السماع، ولا يكتفي باللقاء فقط، كما اشتهر عند كثير ممن كتب في هذه المسألة، فليُتنبّه (فَلَمَّا) -بفتح اللام، وتشديد الميم أيضًا- هي هنا "لَمّا" الحينيّة، وهي تقتضي جملتين، أولاهما شرطها، والثانية جوابها فشرطها هنا قوله: (رَأَيْتُهُمُ اسْتَجَازُوا) أي أجازوا، فالسين، والتاء زائدتان للتوكيد (رِوَايَةَ الْحَدِيثِ بَيْنَهُمْ) بنصب "روايةً" على المفعوليّة (هَكَذَا) أي رواية مشابهة لما ذُكر، وهو الرواية عن شخص لم يعاينه، ولا سمع منه، فقوله (عَلَى الْإِرْسَالِ) تأكيد لهكذا، وكذا قوله (مِنْ غَيْرِ سَمَاعٍ) لأن غير السماع هو الإرسال، والمراد بالإرسال هنا مطلق الانقطاع، لا بخصوص كونه رفع تابعيّ إلى النبيّ -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن كثيرًا من المتقدّمين، كالمصنّف، والبخاريّ، وأبي داود، والنسائيّ، وغيرهم يستعملون الإرسال بمعنى الانقطاع، كما سنحقّقه قريبًا، إن شاء الله تعالى.

(وَالْمُرْسَلُ) اسم المفعول من أرسل رباعيّا، وهو مبتدأ، خبره جملة "ليس" الآتية (مِنَ الرِّوَايَاتِ) بيان للمرسل (فِي أَصْلِ قَوْلِنَا) متعلّق بحال مقدّر: أي حال كونه كائنًا. وقوله (وَقَوْلِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْأَخْبَارِ) بجرّ "قول" عطفًا على "قولنا" من عطف المؤكّد على المؤكّد؛ لأن المراد بضمير المتكلّم في "قولنا" هم أهل العلم بالأخبار. وقيّد بهم؛ لأن غيرهم من الفقهاء والأصوليين يحتجّون بالمراسيل على ما سنبيّنه، إن شاء الله تعالى.

وقوله (لَيْسَ بِحُجَّةٍ) خبر المبتدإ، كما تقدّم آنفًا.

وقوله (احْتَجْتُ) جواب "لما" الماضية في قوله: "فلما رأيتهم الخ" (لِمَا وَصَفْتُ) بكسر اللام الجارة، وهو تعليل للاحتياج: أي احتجتُ إلى البحث عن السماع؛ لأجل ما ذكرته (مِنَ الْعِلَّةِ) بيان لما: أي من السبب. وقوله (إِلَى الْبَحْثِ) متعلّق بـ "احتجت" (عَنْ سَمَاعِ رَاوِي كُلِّ خَبَرٍ عَنْ رَاوِيهِ) الجارّ والمجرور الأول متعلّق بـ "البحث"، والثاني متعلّق بـ "سماع".


(١) راجع "مغني اللبيب عن كتب الأعاريب" ١/ ٢٧٨ - ٢٨٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>