للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خلاصة ما أشار إليه في هذا الكلام: أنه إنما احتاج للبحث عن سماع الراوي الْمُعَنْعِن عمن عنعن عنه؛ لكونه رأى أهل الحديث يروون المراسيل عمن لم يشاهدوه، ولم يسمعوا منه، فخشي أن يكون ما عنعنه مما لم يسمعه، فلذلك شدّد في البحث عن السماع.

(فَإِذَا أَنَا) "إذا" شرطيّة، وجوابها قوله: "ثبت عندي الخ"، ودخولها على الجملة الاسميّة مذهب كوفيّ، وهو الحقّ؛ لكثرة وروده في القرآن الكريم، كقوله: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} [التكوير: ١]، وقوله: {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ} [الانفطار: ١]، وقوله: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق: ١]، وغير ذلك (هَجَمْتُ عَلَى سَمَاعِهِ) أي وصل علمي إلى سماعه، يقال: هجم عليه هجومًا، من باب قعد: انتهى إليه بغتةً، أو دخل عليه بغير إذن. أفاده في "القاموس". (مِنْهُ) أي من المرويّ عنه بالعنعنة (لِأَدْنَى شَيْءٍ) أي لقليل من الرواية. وقوله (ثَبَتَ عِنْدِي بِذَلِكَ) أي بسبب ما هجم عليه من السماع (جَمِيعُ مَا يَرْوِي عَنْهُ) أي بالعنعنة (بَعْدُ) أي بعد هجومي على السماع، وهي من الظروف المبنيّة على الضمّ؛ لقطعها عن الإضافة، ونية معناها، وقد تقدم البحث فيها مستوفىً عند قول المصنّف: "أما بعد".

(فَإِنْ عَزَبَ عَنِّي) بفتح الزاي: أي بَعُدَ، وغاب عن علمي، يقال: عزَب الشيء يَعزُبُ بضم الزاي، كنصر ينصر، ويَعزِب بكسرها، كضرب يضرب، لغتان فصيحتان، قُرىء بهما في السبع، والضم أشهر، وأكثر.

وقوله: "عنّي" متعلق بـ "عزب": (مَعْرِفَةُ ذَلِكَ) أي معرفة سماعه لشيء من المرويات (أَوْقَفْتُ الْخَبَرَ) أي توقّفت عن الاحتجاج به. قال النوويّ رحمه الله تعالى: قوله: "أوقفت الخبر: " كذا هو في الأصول: "أوقفت"، وهي لغة قليلةٌ، والفصيح المشهور "وقفت" بغير ألف. انتهى (١).

وعبارة الجوهريّ في "الصحاح": وقفت الدار للمساكين وقفًا: حبستها، وأوقفتها بالألف لغة رديئة. وليس في الكلام أوقفت إلا حرف واحدٌ، أوقفت عن الأمر الذي كنت فيه: أي أقلعت، قال الطِّرِمَّاح [من الخفيف]:

جَامِحًا فِي غَوَايَتِي ثُمَّ أَوْ قَفْـ ... ـتُ رِضًا بِالتُّقَى وَذُو الْبِرِّ رَاضِي

وحكَى أبو عمرو: كلّمتهم، ثم أوقفت: أي أسكتُّ، وكلّ شيء تمسك عنه تقول: أوقفت انتهى (٢).


(١) "شرح صحيح مسلم" ١/ ١٣٢ - ١٣٣.
(٢) "الصحاح" ٣/ ١١٩٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>