للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: ظاهر ما ذكره الجوهريّ أن أوقفت لغة فصيحة، بل هي الواردة في كلام العرب لمعنى الإمساك عن الشيء، وأما وقفت ثلاثيا، فمستعمل لمعنى الحبس، كوقفت الدار، وأوقفت بالألف فيه لغة رديئة، فتأمل. والله تعالى أعلم.

(وَلَمْ يَكُنْ) أي ذلك الخبر الذي رواه من لم يثبت عندي سماعه ممن روى عنه، ولو قليلًا (عِنْدِي مَوْضِعَ حُجَّةٍ) أي محل استدلال على الأحكام الشرعيّة (لِإِمْكَانِ الْإِرْسَالِ فِيهِ) علّة لعدم كونه موضع حجة؛ أي لاحتمال الانقطاع بين المعنعن والمعنعن عنه.

(فَيُقَالُ لَهُ) أي للمخترع المذكور (فَإِنْ كَانَتِ الْعِلَّةُ) أي السبب (فِي تَضْعِيفِكَ الْخَبَرَ، وَتَرْكِكَ الِاحْتِجَاجَ بِهِ) عطفه على ما قبله من عطف المسبب على السبب؛ لأن تركه الاحتجاج به؛ لتضعيفه الخبر (إِمْكَانَ الْإِرْسَالِ) بالنصب على أنه خبر "كان" (فِيهِ) أي في ذلك الخبر الذي تركت الاحتجاج به لتضعيفك إياه (لَزِمَكَ أَنْ لَا تُثْبِتَ) بضم أوله، من الإثبات رباعيّا (إِسْنَادًا مُعَنْعَنًا) اسم مفعول من عنعنه إذا رواه بـ "عن" (حَتَّى تَرَى فِيهِ السَّمَاعَ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ) أي من أول الإسناد إلى منتهاه، أي وذلك باطلٌ.

وحاصل ما أشار إليه أن ما احتجّ به على عدم إثبات الحديث المعنعن إلا إذا ثبت سماعه لديه ولو مرة، يستلزم أن لا يصحّح أيَّ حديث إلا إذا اتصل إسناده بسماع كل راو عمن روى عنه من أوله إلى آخره، ولا يكفي فيه ثبوت السماع في الجملة؛ لأنه يوجد الإرسال مع اللقاء، بل مع السماع الكثير، وهذا الإلزام قد عرفت الجواب عنه فيما سبق، فلا تنس نصيبك. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

ثم أوضح المصنّف ما ذكره بما ضربه من الأمثلة، حيث قال:

(وَذَلِكَ أَنَّ الْحَدِيثَ الْوَارِدَ عَلَيْنَا بِإِسْنَادِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، فَبِيَقِينٍ نَعْلَمُ أَنَّ هِشَامًا قَدْ سَمِعَ مِنْ أَبِيهِ، وَأَنَّ أَبَاهُ قَدْ سَمِعَ مِنْ عَائِشَةَ، كَمَا نَعْلَمُ أَنَّ عَائِشَةَ قَدْ سَمِعَتْ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ يَجُوزُ إِذَا لَمْ يَقُلْ هِشَامٌ فِي رِوَايَةٍ يَرْوِيهَا عَنْ أَبِيهِ: سَمِعْتُ، أَوْ أَخْبَرَنِي، أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِيهِ فِي تِلْكَ الرِّوَايَةِ إِنْسَانٌ آخَرُ، أَخْبَرَهُ بِهَا عَنْ أَبِيهِ، وَلَمْ يَسْمَعْهَا هُوَ مِنْ أَبِيهِ، لَمَّا أَحَبَّ أَنْ يَرْوِيَهَا مُرْسَلًا، وَلَا يُسْنِدَهَا إِلَى مَنْ سَمِعَهَا مِنْهُ. وَكَمَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِي هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ، فَهُوَ أَيْضًا مُمْكِنٌ فِي أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ. وَكَذَلِكَ كُلُّ إِسْنَادٍ لِحَدِيثٍ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ سَمَاعِ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ، وَإِنْ كَانَ قَدْ عُرِفَ فِي الْجُمْلَةِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَدْ سَمِعَ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>