للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الراغب هو الأصح الظاهر. انتهى كلام السمين باختصار (١).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الذي صححه السمين من كون "العالمين" جمعًا لـ "عالم" حقيقة هو الحق عندي، كما جرى عليه الرضي، تبعًا لـ "الكشاف"، وغيره؛ لأنه في الأصل صفة لما فيه من معنى العلم، كالخاتم لما يختم به، والقالب لما يقلب به الشيء من حالة إلى حالة؛ لأن جميع المخلوقات لإمكانها، وافتقارها إلى مؤثر يعلم بها ذات موجدها، وتدل على وجوده، ولما غلب على العقلاء منهم جمع بالواو كسائر أوصافهم، فدخول غيرهم في "العالمين" تغليب. انظر "حاشية الخضري على الخلاصة" ج ١ ص ٥٦.

وقال الإمام أبو جعفر الطبري رحمه الله تعالى: "العالمون" جمع عالم، والعالم جمع، لا واحد له من لفظه، كالأنام، والرهط، والجيش، ونحو ذلك من الأسماء التي هي موضوعات على جماع، لا واحد له من لفظه. والعالم: اسم لأصناف الأمم، وكل صنف منها عالم، وأهل كل قرن من كل صنف منها عالم ذلك القرن، وذلك الزمان. والجن عالم، وكذلك سائر أجناس الخلق، كل جنس منها عالم زمانه، ولذلك جمع، فقيل: عالمون، وواحده جمع، لكون عالم كل زمان من ذلك عالم ذلك الزمان، ومن ذلك قول العجاج:

فَخِنْدِفٌ (٢) هَامَةُ هَذَا الْعَالَمِ

فجعلهم عالم زمانه. وهذا القول الذي قلناه قول ابن عبّاس، وسعيد بن جبير، وهو معنى قول عامّة المفسّرين انتهى كلام الطبريّ (٣).

وقال القرطبيّ رحمه الله تعالى: اختلف أهل التأويل في "العالمين" اختلافًا كثيرًا، فقال قتادة: العالمون جمع عالم، وهو كلّ موجود سوى الله تعالى، ولا واحد له من لفظه، مثل رهط، وقوم. وقيل: أهل كلّ زمان عالمٌ. قاله الحسين بن الفضل؛ لقوله تعالى: {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ (١٦٥)} [الشعراء: ١٦٥]. أي من الناس. وقال العجاج:

وقالما جرير بن الخَطَفَى.

تَنَصَّفَهُ الْبَرِيَّةُ وَهْوَ سَامٍ ... وَيُضْحِي الْعَالَمُونَ لَهُ عَلِيلَا


(١) الدر المصون ج ١ ص ٦٨.
(٢) اسم القبيلة.
(٣) تفسير الطبريّ ج ١ ص ١٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>