للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصلاح: وهذا منه إفراط، محمول على المبالغة في الزجر عنه والتنفير.

ثم قال فريق من أهل الحديث والفقهاء: مَن عُرف به صار مجروحًا، مردود الرواية مطلقًا، وإن بَيَّن السماع، وقال الجمهور: مَن يَقبل المرسل يقبله مطلقًا، حكاه الخطيب، وأما ما نقله النوويّ في "شرح المهذّب" من الاتفاق على رَدّ ما عنعنه تبعًا للبيهقي وابن عبد البر، فمحمول على اتفاق من لا يَحتج بالمرسل، لكن حكى ابن عبد البر عن أئمة الحديث أنهم قالوا: يُقبل تدليس ابن عيينة؛ لأنه إذا وُقف أحال على ابن جريج ومعمر ونظرائهما، ورجحه ابن حبان، قال: وهذا شيء ليس في الدنيا إلا لسفيان ابن عيينة، فإنه كان يدلس، ولا يدلس إلا عن ثقة متقن، ولا يكاد يوجد له خبر دَلّس فيه إلا وقد بَيّن سماعه عن ثقة مثل ثقته، ثم مَثّل ذلك بمراسيل كبار التابعين، فإنهم لا يُرسلون إلا عن صحابي، وسبقه إلى ذلك أبو بكر البزار، وأبو الفتح الأزدي، وعبارة البزار: مَن كان يدلس عن الثقات، كان تدليسه عند أهل العلم مقبولًا. وفي "الدلائل" لأبي بكر الصيرفي: مَن ظَهَر تدليسه عن غير الثقات لم يُقبل خبره حتى يقول: حدثني، أو سمعت. فعلى هذا فهو قول ثالث مفصّل غير التفصيل الآتي.

قال ابن الصلاح والنوويّ -وعُزي للأكثرين، منهم: الشافعي، وابن المديني، وابن معين، وآخرون-: "الصحيح التفصيل، في رواه بلفظ محتمل، لم يُبَيّن فيه السماع فمرسل لا يقبل، وما بين فيه السماع، كسمعت، وحدثنا، وأخبرنا، وشبهها فمقبول، محتجّ به، وفي "الصحيحين" وغيرهما من هذا الضرب كثير، كقتادة، والسفيانين، وغيرهم، وهذا الحكم جارٍ فيمن دلس مرّة واحدةً، وما كان في "الصحيحين"، وشبههما من الكتب الصحيحة عن المدلسين بـ "عن"، فمحمول على ثبوت السماع له من جهة أخرى، وإنما اختار صاحب "الصحيح" طريق العنعنة على طريق التصريح بالسماع؛ لكونها على شرطه، دون تلك.

وفَصّل بعضهم تفصيلا آخر، فقال: إن كان الحامل له على التدليس تغطية الضعيف فجرح؛ لأن ذلك حرامٌ وغَشٌّ، وإلا فلا.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: التفصيل الذي قاله الأكثرون هو الأرجح عندي.

وحاصله أن المدلّس إن صرّح بالسماع قُبلت روايته، وإلا فلا. والله تعالى أعلم بالصواب.


= حنظلة -رضي الله عنه- مرفوعًا: "درهم ربا يأكله الرجل، وهو يعلم أشدّ عند الله من ستة وثلاثين زنية". رواه أحمد، والطبرانيّ بإسناد صحيح. انظر "صحيح الجامع الصغير" ١/ ٦٣٦ رقم (٣٣٧٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>