للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جرح، وإن وُصف به الثوري والأعمش، فالاعتذار أنهما لا يفعلانه إلا في حق من يكون ثقة عندهما، ضعيفًا عند غيرهما.

قال: ثم إن ابن القطان إنما سماه تسوية، بدون لفظ التدليس، فيقول: سَوّاه فلان، وهذه تسوية، والقدماء يسمونه تجويدًا، فيقولون: جَوّده فلان، أي ذكر من فيه من الأَجْوَاد، وحذف غيرهم، قال: والتحقيق أن يقال: متى قيل تدليس التسوية، فلا بد أن يكون كلّ من الثقات الذين حُذفت بينهم الوسائط في ذلك الإسناد، قد اجتمع الشخص منهم بشيخ شيخه في ذلك الحديث، وإن قيل: تسوية بدون لفظ التدليس، لم يحتج إلى اجتماع أحد منهم بمن فوقه، كما فَعَل مالك، فإنه لم يقع في التدليس أصلًا، ووقع في هذا، فإنه يروي عن ثور، عن ابن عباس، وثور لم يلقه، وإنما رَوَى عن عكرمة عنه، فأسقط عكرمةَ؛ لأنه غير حجة عنده، وعلى هذا يفارق المنقطع بأن شرط الساقط هنا أن يكون ضعيفًا، فهو منقطع خاص.

(رابعها): تدليس العطف، زاده الحافظ، وهو أن يروي عن شيخين من شيوخه ما سمعاه من شيخ اشتركا فيه، ويكون قد سمع من أحدهما دون الآخر، فيُصرّح عن الأول بالسماع، ويعطف الثاني عليه، فيوهم بذلك أنه حدّث عنه بالسماع أيضًا، وإنما حدّث بالسماع عن الأول فقط، ونوى القطع، فقال: وفلان: أي وحدّث فلان.

ومثاله: ما نَقَله الحاكم والخطيب عن هشيم، أن أصحابه قالوا له: نريد أن تحدثنا اليوم شيئًا لا يكون فيه تدليس، فقال: خذوا، ثم أملى عليهم مجلسًا يقول في كل حديث منه: حدثنا فلان وفلان، ثم يسوق السند والمتن، فلما فرغ قال: هل دلست لكم اليوم شيئًا؟ قالوا؟ لا، قال: بلى، كلُّ ما قلت فيه: وفلان، فإني لم أسمعه منه.

(الخامس): تدليس القطع والحذف، ومثاله: ما ذكر محمد بن سعيد عن أبي حفص عمر بن علي المقدمي، أنه كان يدلس تدليسا شديدا، يقول: سمعت، وحدثنا، ثم يسكت، ثم يقول: هشام بن عروة الأعمش، وقال أحمد بن حنبل: كان يقول حجاج: سمعته، يعني حدثنا آخر، وقال جماعة: كان أبو إسحاق يقول: ليس أبو عبيدة ذكره، ولكن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه، فقوله: عبد الرحمن تدليس، يوهم أنه سمعه منه.

وحكم هذا القسم الأول أنه مكروه جدّا، ذمّه أكثر العلماء، وبالغ شعبة في ذمه، فقال: لأن أزني أحب إليّ من أن أدلّس (١) وقال: التدليس أخو الكذب. قال ابن


(١) وروي "أُربي" بالراء المهملة، وبالباء الموحدة، مضموم الهمزة من الربى؛ قيل: وهذ أولى؛ لأن الربا أخفّ من الزنا، ولما فيه من المناسبة بين الربا والتدليس؛ لأن الربا أصله التكثير والزيادة، ومتى دلّس فقد كثّر مروياته وتُعُقّب بأن الربا ليس بأخفّ من الزنا؛ بل هو أشد؛ لحديث عبد الله بن =

<<  <  ج: ص:  >  >>