للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال العراقي: والقول الأول هو المشهور، وقيده الحافظ بقسم اللقاء، وجعل قسم المعاصرة إرسالًا خفيًّا.

(ثانيها): أن يُسقط أداةَ الرواية، ويُسَمِّي الشيخَ فقط، فيقول: فلان، قال علي بن خشرم: كنا عند ابن عيينة، فقال: الزهري، فقيل له: حدثكم الزهري؟ فسكت، ثم قال: الزهري، فقيل له: سمعته من الزهري؟ فقال: لا ولا ممن سمعه من الزهري، حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري. وسَمَّى الحافظ هذا النوع بتدليس القطع.

(الثالث): تدليس التسوية، سماه بذلك ابن القطان، وهو أن لا يُسقط شيخه، بل يُسقط شيخ شيخه، أو أعلى منه؛ لكونه ضعيفا، وشيخه ثقة، أو صغيرًا، ويأتي فيه بلفظ محتمل عن الثقة الثاني؛ تحسينًا للحديث، وهو أشر أنواع التدليس؛ لأن الثقة الأول قد لا يكون معروفا بالتدليس، ويجده الواقف على السند كذلك بعد التسوية، قد رواه عن ثقة آخر، فيحكم له بالصحة، وفيه غرور شديد.

وممن اشتهر بفعل ذلك بقية بن الوليد، قال ابن أبي حاتم في "العلل": سمعت أبي، وذَكَر الحديث الذي رواه إسحاق بن راهويه، عن بقية، حدثني أبو وهب الأسدي، عن نافع، عن ابن عمر، حديث: "لا تَحمَدُوا إسلام المرء حتى تَعرِفوا عقدة رأيه"، فقال أبي: هذا الحديث له أمر قَلَّ من يَفْهَمه، روى هذا الحديث عبيد الله بن عمرو، عن إسحاق بن أبي فروة، عن نافع، عن ابن عمر، وعبيد الله كنيته أبو وهب، وهو أسدي، فكناه بقية، ونسبه إلى بني أسد؛ كي لا يُفطَن له، حتى إذا ترك إسحاق لا يُهتَدَى له، قال: وكان بقية من أفعل الناس لهذا.

وممن عُرِف به أيضا الوليد بن مسلم، قال أبو مسهر: كان يحدث بأحاديث الأوزاعي من الكذابين، ثم يدلسها عنهم. وقال صالح جزرة: سمعت الهيثم بن خارجة يقول: قلت للوليد: قد أفسدت حديث الأوزاعي، قال: كيف؟ قلتُ: تروي عن الأوزاعي عن نافع، وعن الأوزاعي عن الزهري، وعن الأوزاعي عن يحيى بن سعيد، وغيرك يُدخل بين الأوزاعي وبين نافع عبدَ الله بن عَامر الأسلمي، وبينه وبين الزهري أبا الهيثم بن مرّة، قال: أُنبِل الأوزاعي أن يروي عن مثل هؤلاء، قلت: فإذا روى هؤلاء، وهم ضعفاء أحاديث مناكير، فأسقطتهم أنت، وصيرتها من رواية الأوزاعي عن الثقات ضُعِّف الأوزاعي، فلم يلتفت إلى قولي. قال الخطيب: وكان الأعمش، وسفيان الثوري يفعلون مثل هذا.

قال الحافظ العلائي، وبالجملة فهذا النوع أفحش أنواع التدليس مطلقًا وشرها.

قال الحافظ العراقيّ: وهو قادح فيمن تعمد فعله. وقال الحافظ: لا شك أنه

<<  <  ج: ص:  >  >>