للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يشترط السماع، لا اللُّقيّ وحده (تَشَافَهَا) أي تخاطبا (بِالْحَدِيثِ بَيْنَهُمَا، أَوْ يَرِدَ خَبَرٌ فِيهِ بَيَانُ اجْتِمَاعِهِمَا) وقوله: (وَتَلَاقِيهِمَا) عطف تفسير لما قبله (مَرَّةً مِنْ دَهْرِهِمَا، فَمَا فَوْقَهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ عِلْمُ ذَلِكَ) قد سبق قريبًا أن "يكن" يحتمل كونها ناقصة، وتامّة: أي إن لم يكن عند ذلك القائل علم ذلك، والإشارة إلى ما سبق من اجتماعهما، وتشافههما بالحديث الخ (وَلَمْ تَأْتِ رِوَايَةٌ صَحِيحَةٌ، تُخْبِرُ أَنَّ هَذَا الرَّاوِيَ عَنْ صَاحِبِهِ) أي الشيخ الذي روى عنه بالعنعنة (قَدْ لَقِيَهُ مَرَّةً، وَسَمِعَ مِنْهُ شَيْئًا) هذا صريح في كون هذا المنتحل يشترط السماع مع اللقاء، لا مجرّد اللقاء، كما ظنّه كثيرون، فتنبّه. وقوله: (لَمْ يَكُنْ) يحتمل أيضًا أن تكون ناقصة، واسمها "حجة" الآتي، وخبرها قوله: (فِي نَقْلِهِ الْخَبَرَ) ويحتمل أن تكون تامّة، بمعنى يحصُل، والجار والمجرور متعلّق بها، و"حجة" مرفوع على الفاعليّة. (عَمَّنْ رَوَى) بالبناء للفاعل، والجارّ والمجرور متعلّق بـ "نقل" (عَنْهُ) متعلّق بـ "روى". وقوله: (ذَلِكَ) إشارة إلى الحديث الذي رواه بـ "عن": أي عن الشيخ الذي روى عنه ذلك الخبر الْمُعَنْعَن.

[تنبيه]: قوله: "عمن روى عنه ذلك" كذا هو معظم النسخ، وهو الصواب، ووقع في بعضها: "عمن روى عنه علم ذلك"، والظاهر أنه غلط، مفسد للمعنى، وقد تعب بعض من علّق على هذه المقدّمة (١) بتوجيه ذلك، وأطال في إعرابه، ولا أرى لذكره جدوى؛ لأنه مبنيّ على هذه النسخة، وفيها فساد المعنى، فتبصّر. والله تعالى أعلم بالصواب.

وقوله: (وَالْأَمْرُ كَمَا وَصَفْنَا) جملة اسميّة في محلّ نصب على الحال، والكاف بمعنى "على": أي والحال أن الأمر على ما وصفناه سابقًا من كونهما في عصر واحد، مع إمكان اللقيّ، والسماع، ولكن لم يُعلم ذلك بالتحقيق (حُجَّةٌ) بالرفع اسم "يكن"، أو فاعلها، كما سبق آنفًا، وهو على حذف مضاف: أي ثبوت حجة. و"الْحُجّة" بالضمّ: البُرهان والدليل، والجمع حُجَجٌ، مثلُ غُرْفة وغُرَف (٢) (وَكَانَ الْخَبَرُ) أي المنقول بالعنعنة الموصوفة بما ذكر (عِنْدَهُ) أي عند هذا القائل (مَوْقُوفًا) أي متوقَّفًا عن العمل به (حَتَّى يَرِدَ عَلَيْهِ) أي على هذا القائل (سَمَاعُهُ) أي سماع المعنعِن -بالكسر- (مِنْهُ) أي من المعنعَن عنه -بالفتح- (لِشَيْءٍ مِنَ الْحَدِيثِ) فيه تصريح أن ذلك القائل يشترط السماع، لا اللقيّ فقط، كما أسلفناه قريبًا (قَلَّ) ذلك الحديث (أَوْ كَثُرَ) يعني أنه لا


(١) هو الشيخ أحمد رشيد الكنكوهي رحمه الله تعالى صاحب "الحل المفهم لصحيح مسلم"، راجعه ص ٢١ - ٢٢.
(٢) راجع "المصباح المنير" ١/ ١٢١. و"القاموس" ص ١٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>