للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فنزلت: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء: ٩٥]. قال شعبة: وأخبرني سعد بن إبراهيم، عن رجل، عن زيد في هذه الآية: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ} بمثل حديث البراء. وقال ابن بشار في روايته: سعد بن إبراهيم عن أبيه، عن رجل، عن زيد ابن ثابت.

قلت: هكذا أورده مسلم في "صحيحه"، وقد اشتمل هذا الحديث على طريقين عن صحابيين -رضي الله عنهما-، فالأول منهما: حديث البراء بن عازب -رضي الله عنهما-، وهو صحيح متصل، ثابت متفق عليه. والثاني: حديث زيد بن ثابت، وفي إسناده اختلاف، ورجل غير مسمى، فهو داخل في باب المقطوع على مذهب الحاكم وغيره، إذا لم يعرف ذلك الرجل.

والجواب عن ذلك أن مسلما رحمه الله، إنما احتج بحديث البراء وحده، وإنما أورد الإسناد الثاني؛ لأن شعبة حدث به غندرًا هكذا، فأورده مسلم كما سمعه من أصحاب غندرًا، والظاهر من مذهبه أنه لا يختصر من الحديث شيئا، وإن اختصر منه شيئا لضرورة نبه عليه.

وقد أخرج البخاري حديث البراء هذا في "صحيحه" في غير موضع من رواية شعبة، عن أبي إسحاق عنه، ولم يذكر فيه حديث زيد بن ثابت، فيحتمل (١) أن يكون تركه عمدا لما فيه من الاعتلال، ويحتمل أن يكون إنما سمعه كذلك من غير زيادة، على ما أورده، لكنه أخرج حديث زيد بن ثابت المذكور من طريق آخر، من حديث الزهري، عن سهل بن سعد، عن مروان بن الحكم عنه، وهو إسناد اجتمع فيه ثلاثة من الصحابة -رضي الله عنهم-، يروي بعضهم عن بعض، ويدخل أيضًا في رواية الأكابر عن الأصاغر؛ لأن سهلا أكبر من مروان، ومروان وإن لم يثبت سماعه من النبي -صلى الله عليه وسلم-، فهو معدود في الصحابة -رضي الله عنهم-. وقد أخرج له البخاري في "صحيحه" حديثا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مقرونا بالمسور ابن مخرمة. والله أعلم.

فقد تبين بما ذكرناه أن حديث زيد بن ثابت متصل أيضًا في "كتاب البخاري". والله عز وجل أعلم.

ووقع في "كتاب الأشربة" (٢) حديث نحو هذا من رواية سليمان التيمي، عن


= "ضرارته" بفتح الضاد، وحكى صاحب "المشارق والمطالع" عن بعض الرواة أنه ضبط "صررً به" والصواب الأول. انتهى.
(١) النسخة: "محتمل"، والظاهر أنه تصحيف. والله تعالى أعلم.
(٢) "باب تحريم الخمر" ... ٣/ ١٥٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>