للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أجدادهم، ولم تتواتر الرواية عن آبائهم، عن أجدادهم بها إلا عنهم.

قال: وهذه الأقسام الخمسة مخرّجة في كتب الأئمة، محتجّ بها، ولم يُخَرَّج في "الصحيحين" منها حديثٌ؛ لما بيّنّا في كلّ قسم منها. هذا آخر كلام الحاكم.

ولم يُصب في قسم من هذه الأقسام، وسنبيّن أوهامه فيما بعدُ، وربّما لو رُوجع، وطولب بالدليل، وكُلّف البحث والسبر عن مخارج الأحاديث المخرّجة في الكتابين بالاستقراء، وتتبّع الطرق، وجمع التراجم والمشايخ، وتأليف الأبواب لاستوعر السبيل، ولم يتّضح له فيه دليل إلا في قدر من ذلك، وآفة العلوم التقليد.

وبيان ذلك إما إيثار الدَّعَة، وترك الدأب، وإما حسن الظنّ بالمتقدّم، ولعمري إن هذا القسم الثاني لحسنٌ، غير أن الاسترواح إلى هذا غير ممكن؛ لأنه يُفضي إلى سدّ باب الاجتهاد، والبحث عن مخارج الحديث، وأحوال الرجال.

وهذا الحاكم أبو أحمد الحافظ النيسابوريّ، وهو أحد أركان الحديث، وممن أخرج التخاريج الكثيرة، وكتابه المؤلّف في الأسماء والكنى يشهد له بتبحّره في علم الصنعة، وقد ذكر في بعض تراجمه حارثة بن مالك الأنصاريّ في الصحابة، مقلّدًا لآخر تقدّمه، ثم جاء بعده جماعة من المؤلّفين في الحديث والتواريخ والمعارف، ممن كان يُنسب إلى التحقيق والتدقيق نحو أبي عمر بن عبد البرّ القرطبيّ، والأمير أبي نصر بن ماكولا في كتابه "الإكمال"، وغيرهما قلّدوا المتقدّم، وركِبوا في ذلك الْمَجَرّة (١) وأثبتوه في كتبهم على ما رسمه المتقدّم، ولو عدل واحد من هؤلاء الأستاذين إلى كتب السير وتواريخ المحدّثين لبرح الخفاء، وانكشف الغطاء، وبان أن حارثة بن مالك الأنصاريّ لم يكن من الصحابة، ولا من أنصار رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا من الموجودين في زمنه أو بعده، وإنما هو في نسب الأنصار، وهو عبد حارثة بن مالك بن عضب بن جُشَم جاهليّ قديم من ولده بنو زُريق بن عامر بن زريق بن عبد حارثة بن مالك، بطن، وبنو بياضة بن عامر بن زريق إليهما يُنسب الزرقيّون، والبياضيّون في الأنصار جماعة منهم صحبوا النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، ولهم رواية، وشهدوا معه بدرًا، وفيهم من بينه وبين عبد حارثة الذي سمّوه حارثة، وجعلوا له صحبة تسعة آباء، وأقلّ من ذلك، والعجب من الحاكم، ومن أبي عمر أنهما أحالا بذلك على الواقديّ، وإنما قال الواقديّ في تسمية البدريين: ومن بني زريق بن عامر بن عبد حارثة، وغيره يقول: زريق بن عامر بن زريق بن عبد حارثة ابن مالك بن عضب بن جشم، ثم من بني مخلد بن عامر قيس بن محصن، وسمّى


(١) يعني حاولوا المحال كمن يريد ركوب المجرّة، وهي منطقة في السماء قوامها نجوم كثيرة، لا يميّزها البصر فيراها كبقعة بيضاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>