للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أخبرني أبو المحاسن محمد بن عبد الملك بن عليّ الهمدانيّ، أنبأنا القاسم المستملي، أنبأنا أبو الحسن عليّ بن محمد بن عليّ، أنبأنا أبو الحسن محمد بن أحمد ابن محمد بن هارون الزوزنيّ، حدّثنا ابن حبّان البستيّ، قال: وأما الأخبار، فإنها كلّها أخبار آحاد؛ لأنه ليس يوجد عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- خبر من رواية عدلين، روى أحدهما عن عدلين، وكلّ واحد منهما عن عدلين حتى ينتهي ذلك إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلما استحال هذا وبطل، ثَبَت أن الأخبار كلها أخبار آحاد، ومن اشترط ذلك، فقد عمد إلى ترك السنن كلّها لعدم وجود السنن إلا من رواية الآحاد. هذا آخر كلام ابن حبّان، ومن سبر مطالع الأخبار عرف أن ما ذكره ابن حبّان أقرب إلى الصواب.

وأما قوله: أن الموجود المرويّ من الأحاديث على الوتيرة التي لم تسلم يبلغ قريبًا من عشرة آلاف، فهذا ظنّ منه بأنهما لم يخرجا إلا على ما رُسم، وليس كذلك، فإن أقصى ما يمكن اعتباره في الصحّة هو شرط البخاريّ، ولا يوجد في كتابه من النحو الذي أشار إليه إلا القدر اليسير.

وأما قوله: أن شرط الشيخين إخراج الحديث عن عدلين، وهلُمّ جرّا إلى أن يتّصل الحديث، فليس كذلك أيضًا لأنهما قد خرجا في كتابيهما أحاديث جماعة من الصحابة ليس لهم إلا راو واحد، وأحاديث لا تعرف إلا من جهة واحدة، وأنا أذكر من كلّ نوع أحاديث تدلّ على نقيض ما ادّعاه، فمن ذلك:

حديث مِرداس الأسلميّ: "يذهب الصالحون الأول فالأول ... " الحديث، وهذا حديث تفرّد البخاري بإخراجه، ولم يرو عنه غير قيس بن أبي حازم، رواه البخاريّ عن يحيى بن حمّاد، عن أبي عوانة، عن بيان، عن قيس، عن مرداس، وليس لمرداس في كتاب البخاريّ، سوى هذا الحديث.

وقد ذكر الحاكم في القسم الثاني مرداس بن مالك الأسلميّ، وعدّه فيمن لم يخرج عنه في الصحاح شيء، وهذا الحديث يردّ عليه قوله، ويُبيّن خطأه.

ومنها: حديث حزن بن أبي وهب المخزوميّ، خرّج عنه البخاريّ حديثين: أحدهما: "وجاء سيلٌ في الجاهليّة، فكسا ما بين الجبلين ... "، والثاني أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال له: "ما اسمك؟ ... " الحديث، وقد انفرد بهما عنه ابنه المسيّب، وعن المسيّب ابنه سعيد ابن المسيّب.

ومنهم: زاهر بن الأسود الأسلميّ خرّج عنه البخاريّ حديثًا واحدًا، وهو: "إني لأوقد تحت القدور بلحوم الحمر، إذ نادى منادي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهاكم عن لحوم الحمر"، وقد تفرّد بالرواية عنه ابنه مَجْزَأة بن زاهر.

<<  <  ج: ص:  >  >>