للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال -صلى الله عليه وسلم- "أما بعد". وحديث الْمِسْوَر بن مَخرَمَة -رضي الله عنهما-، قال: قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فسمعته حين تشهّد يقول: "أما بعد". وحديث ابن عبّاس -رضي الله عنهما-، قال: صعد النبيّ -صلى الله عليه وسلم- المنبر ... وفيه: فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: "أيها الناس إليّ"، فثابوا إليه، ثم قال: "أما بعد".

قال في "الفتح": وفي الباب مما لم يذكره عن عائشة في قصّة الإفك. وعن أبي سفيان في الكتاب إلى هرقل، متّفقٌ عليهما. وعن جابر قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم - إذا خطب احمرّت عيناه، وعلا صوته ... الحديث، وفيه: فيقول -صلى الله عليه وسلم-: "أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله". أخرجه مسلم. وفي رواية له عنه: كان خطبة النبيّ -صلى الله عليه وسلم- يوم الجمعة، يحمد الله، ويثني عليه، ثم يقول على أثر ذلك، وقد علا صوته فذكر الحديث، وفيه: "أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله".

قال: ويستفاد من هذه الأحاديث أن "أما بعد" لا تختصّ بالخطب، بل تقال أيضًا في صدور الرسائل، والمصنّفات، ولا اقتصار عليها في إرادة الفصل بين الكلامين، بل ورد في القرآن في ذلك لفظ {هَذَا وَإِنَّ} (١) وقد كثر استعمال المصنّفين لها بلفظ "وبعد"، ومنهم من صدّر بها كلامه، فيقول: "أما بعد حمد الله، فإن الأمر كذا"، ولا حجر في ذلك.

وقد تتبّع طرق الأحاديث التي وقع فيها "أما بعد" الحافظ عبد القادر الرُّهَاويّ في خطبة "الأربعين المتباينة" له، فأخرجه عن اثنين وثلاثين صحابيًّا. منها ما أخرجه من طريق ابن جُريج، عن محمد بن سيرين، عن المسور بن مخرمة -رضي الله عنهما-. كان النبيّ -صلى الله عليه وسلم- إذا خطب قال: "أما بعد". ورجاله ثقات. وظاهره المواظبة على ذلك انتهى (٢).

وقد ذكر العلامة العيني في "عمدته" الصحابة (٣) الذين ذكرهم الحافظ عبد القادر الرهاويّ، فقال:

منهم: سعد بن أبي وقّاص، وابن مسعود، وأبو سعيد الخدريّ، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله، والفضل ابنا العباس بن عبد المطّلب، وجابر بن عبد الله، وأبو هريرة، وسمرة بن جندب، وعديّ بن حاتم، وأبو حميد الساعديّ، وعقبة بن عامر، والطُّفَيل بن سخبرة، وجرير بن عبد الله البجليّ، وأبو سفيان بن


(١) أشار به إلى قوله تعالى: {هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ}.
(٢) فتح ج ٣ ص ٦٩.
(٣) لكن عددهم عنده أحد وثلاثون، لا اثنان وثلاثون، كما تقدم في عبارة "الفتح"، ولا أدري ممن الغلط. والله تعالى أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>