للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكثير لا بأس به؛ لأنه لا يشغل عن المقصود (فَإِنَّ ذَلِكَ) إشارة إلى التكرار الكثير (زَعَمْتَ) أي قلت؛ لأن الزعم يُطلق على القول الحقّ، وإن كان أكثر استعماله لغير المحقّق. قال الفيّوميّ: زَعَم زَعْمًا، من باب قتل، وفي الزعم ثلاث لغات: فتح الزاي للحجاز، وضمّها لأسد، وكسرها لبعض قيس. ويطلق بمعنى القول، ومنه: زَعَمَتِ الحنفيّة. وزعم سيبويه، أي قال، وعليه قوله تعالى: {أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ} الآية [الإسراء: ٩٢]. أي كما أخبرت. ويطلق على الظنّ، يقال: في زعمي كذا، وعلى الاعتقاد، ومنه قوله تعالى: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا} الآية [التغابن: ٧]. قال الأزهريّ: وأكثر ما يكون الزعم فيما يُشكّ فيه، ولا يتحَقَّق. وقال بعضهم: هو كناية عن الكذب. وقال المرزوقيّ: أكثر ما يُستعمل فيما كان باطلًا، أو فيه ارتياب. وقال ابن الْقُوطيّة: زعم زَعْمًا: قال خبرًا لا يُدرَي، أحقٌّ هو أو باطلٌ. قال الخطّابيّ: ولهذا قيل، "زعم مطيّة الكذب". انتهى عبارة الفيّويّ (١).

(مِمَّا يَشْغَلُكَ) بفتح الياء، من شَغَلَه الأمر، ثلاثيًّا، من باب نَفَع. وأما أشغله بالألف، فلغة رديئة، أو قليلة (٢)، كما أفاده في "اللسان" (٣). وفي "المصباح": شَغَلَه الأمر شَغْلًا، من باب نَفَع، فالأمر شَاغِلٌ، وهو مَشْغُولٌ، والاسم الشُّغْل -بضمّ الشين، وتضمّ الغين، وتسكّن للتخفيف- وشُغِلتُ به بالبناء للمفعول: تَلَهّيتُ به. قال الأزهريّ: واشتغل بأمره، فهو مُشتَغِلٌ، أي بالبناء للفاعل. وقال ابن فارس: ولا يكادون يقولون: اشتَغَلَ، وهو جائزٌ -يعني بالبناء للفاعل- ومن هنا قال بعضهم: اشتُغِلَ بالبناء للمفعول، ولا يجوز بناؤه للفاعل؛ لأن الافتعال إن كان مطاوعًا فهو لازمٌ، لا غير، وإن كان غير مطاوعٍ فلا بدّ أن يكون فيه معنى التعدّي، نحو اكتَسَبت المالَ، واكتَحَلْتُ، واختَضَبْتُ: أي كَحَلتُ عيني، وخَضَبْتُ يدي، واشتغلت ليس بمطاوعٍ، وليس فيه معنى التعدّي. وأجيب بأنه في الأصل مطاوعٌ لفعلٍ هُجِرَ استعمالُهُ في فصيح الكلام، والأصل: أشغلته بالألف، فاشتغَلَ، مثل أحرقته، فاحترق، وأكملتُهُ، فاكتمل، وفيه معنى التعدّي، فإنك تقول: اشتغلت بكذا، فالجارّ والمجرور في معنى المفعول، وقد نصّ الأزهريّ على استعمال "مُشْتَغِلٍ"، و"مُشْتَغَلٍ". انتهت عبارة "المصباح" (٤).

وكتب الزَّبيديّ في "التاج" عند قول صاحب "القاموس": وأشغله لغة جيّدة، أو


(١) المصباح المنير.
(٢) وأما ما في "القاموس": من أن أشغله لغة جيّدة، فردّه الشارح بأنه ليس منقولًا عن أحد من أئمّة اللغة، فتنبّه.
(٣) راجع "لسان العرب" في مادّة شغل.
(٤) راجع "المصباح المنير" في مادّة شغل.

<<  <  ج: ص:  >  >>