للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قليل، فيه معنى الكثير، وسمِّي اختصارًا؛ لاجتماعه، ومنه الْمِخْصَرةُ، وخصر الإنسان. قاله النوويّ (١).

وقوله (إِذَا أَمْكَنَ) إشارة إلى أن شرط اختصار الحديث إمكان فهم المعنى منه، كما سيأتي بيان ذلك في المسائل، إن شاء الله تعالى.

وقال الكفويّ في "الكليات": الاختصار: تقليل المباني مع إبقاء المعاني، أو حذف عرض الكلام، وهو جلُّ مقصود العرب، وعليه مبنى أكثر كلامهم، ومن ثمة وضعوا الضمائر لأنها أخصر من الظواهر خصوصًا ضمير الغيبة، فإنه في قوله تعالى: {أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً} قام مقام عشرين ظاهرًا، كما قال بعض المحققين. والاختصار أمر نسبيّ، يُعتبر تارة إضافته إلى متعارف الأوساط، وتارة إلى كون المقام خليقًا بعبارة أبسط من العبارة التي ذُكرت، وقد أكثروا من الحذف، فتارة لحرف من الكلمة، وتارة للكلمة بأسرها، وتارة للجملة كلها، وتارة لأكثر من ذلك، ولهذا تجد الحذف كثيرًا عند الاستطالة، كحذف عائد الصلة، فإنه كثير عند طول الصلة انتهى (٢).

(وَلَكِنْ تَفْصِيلُهُ) أي تفصيل ذلك المعنى، يعني إيراده مفصولًا عن الحديث، واختصاره منه (رُبَّمَا عَسُرَ) بضم السين، من باب قَرُب، أي صَعُب (مِنْ جُمْلَتِهِ) متعلّق بـ "تفصيل"، أي من جملة ذلك الحديث، يعني أنه لو أريد اختصار ذلك المعنى الزائد من الحديث لكان عَسِرًا؛ لشدة ارتباطه به (فَإِعَادَتُهُ) أي إعادة ذلك الحديث المشتمل على المعنى الزائد (بِهَيْئَتِهِ) قال المجد: الْهَيئة -أي بفتح الهاء، وتكسر-: حال الشيء، وكيفيته. انتهى. والمراد به هنا جملة الحديث وهيئته التركيبية، أي إعادته بجملته، من غير اختصار ذلك المعنى منه (إِذَا ضَاقَ ذَلِك) أي صعب الفصل المذكور (أَسْلَمُ) من تطرّق الخلل إليه، وأفعل هنا ليس للتفضيل، بل هو بمعنى أصل الفعل، أي يكون سالمًا من تطرّق الخلل إليه.

وحاصل المعنى أنه إذا خيف كون الاختصار يؤدي إلى خلل في المعنى كان محظورًا، لأن شرط جواز اختصار الحديث أن لا يُخلّ بالمقصود، فلا يُختصر إلا ما ليس مرتبطًا بالباقي، فإذا تعسّر ذلك، بأن كان كله مرتبطًا بالباقي، أو شُكّ في ارتباطه به، ففي هاتين الحالتين لا يجوز الاختصار، بل يتعيّن ذكره بتمامه، وهيئته؛ مخافة من الخطأ والزلل (٣).


(١) "شرح مسلم" ١/ ٤٩.
(٢) "الكليات" لأبي البقاء الكفويّ ص ٦٠ - ٦١.
(٣) أفاده النوويّ في "شرح صحيح مسلم" ١/ ٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>