للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يغلبنا بدخوله على عائشة -رضي الله عنها-، وكانت أعلم الناس يسألها الأكابر من أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم-، ويسألونها عن الفرائض. وقال هشام بن عروة، عن أبيه: ما رأيت أحدًا أعلم بفقه، ولا بطب، وشعر من عائشة -رضي الله عنها-. وقال عطاء بن أبي رباح: كانت عائشة -رضي الله عنها- أفقه الناس، وأعلم الناس، وأحسن الناس رأيًا في العامة. وقال الزهري: لو جُمع علم عائشة -رضي الله عنها- إلى علم جميع أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم-، وعلم جميع النساء لكان علم عائشة -رضي الله عنها- أفضل. وقال أبو عثمان النهدي، عن عمرو بن العاص: قلت لرسول -صلى الله عليه وسلم-: أيُّ الناس أحب إليك؟ قال: "عائشة -رضي الله عنها-"، قلت: فمن الرجال؟ قال: "أبوها". وقال أبو موسى الأشعريُّ وغيره، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "فضل عائشة -رضي الله عنها- على النساء، كفضل الثريد على سائر الطعام". متّفقٌ عليه، ومناقبها، وفضائلها كثيرة جدًّا. وفي الصحيح عنها أنها قالت: تزوجني رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأنا بنت ست سنين، ودخل بي وأنا بنت تسع، وقُبض وأنا بنت ثماني عشرة سنة. توفيت ليلة الثلاثاء لسبع عشرة خلت من رمضان سنة (٥٨) عند الأكثر. وقال ابن عيينة، عن هشام بن عروة: ماتت سنة (٥٧) وصححه في "التقريب"، ودفنت بالبقيع. أخرج لها الجماعة، وقد ذكر ابن الجوزي في "المجتبى" ص ٩٢ أنها روت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (٢٢١٠) حديثًا، أخرج لها منها في "الصحيحين" (٢٩٧) حديثًا، المتفق عليه منها (١٧٤) حديثًا، وانفرد البخاري (٥٤)، ومسلم (٩٦) حديثًا (١). والله تعالى أعلم.

(أنها قالت: "أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن ننزل الناس) بضم أوله، وتشديد الزاي، من التنزيل، ويحتمل تخفيفها، من الإنزال (منازلهم) أي في مراتبهم المتفاوتة.

قال القاضي عياض رحمه الله تعالى: معنى الحديث بيّن في إيتاء كل ذي حق حقه، وتبليغه منزلته في كل باب، كما احتج به مسلم في تطبيق الرواة، وتعريف مراتبهم، ومزية بعضهم على بعض، إلا ما ساوى الله تعالى بينهم فيه، من الحدود، والحقوق. انتهى (٢).

وذكر الحافظ السخاويّ رحمه اللهُ تعالى في كتابه "الجواهر والدّرر": ما نصُّه: المراد بالحديث الحضّ على مراعاة مقادير الناس ومراتبهم ومناصبهم، وتفضيل بعضهم على بعض في الإكرام في المجالس؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "لِيَلِني منكم أولو الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم ... "، فيُقدِّم الإمام في القرب منه الأفضل، فالأفضل، من البالغين،


(١) والذي أثبته في برنامج الحديث (صخر) أن لها في "صحيح مسلم" (٦٣٠) حديثًا. والظاهر أن هذا الاختلاف ناشىء عن التكرار. والله تعالى أعلم.
(٢) "إكمال المعلم بفوائد مسلم" ١/ ٩٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>