للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَفْعَلُونَ} [البقرة: ٧١]. انتهى (١).

[فائدة]: اعلم أنه قد اشتهر بين النحويين أن "كاد" إثباتها نفي، ونفيها إثبات، حتى جعله بعضهم لغزًا، حيث قال:

أَنَحْوِيَّ هَذَا الْعَصْرِ مَا هِيَ لَفْظَةٌ ... جَرَتْ فِي لِسَانَي جُرْهُمٍ وَثَمُودِ

إِذَا اسْتُعْمِلَتْ فِي صُورَةِ الْجَحْدِ أَثْبَتَتْ ... وَإِنْ أَثْبَتَتْ قَامَتْ مَقَامَ جُحُودِ

والصحيح -كما قال الفاكهيّ، وغيره-: أنها كسائر الأفعال، نفيُها نفي، وإثباتها إثبات، وقوله تعالى: {فَذَبَحُوهَا} لا ينافي قوله تعالى: {وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ}؛ لأن معنى الكلام: أنهم ذبحوها، ولم يكونوا قبل الذبح قريبين إلى الذبح؛ بناءً على التعنّتات الصادرة عنهم. وحاصله أن انتفاء مقاربتهم إلى الذبح إنما كان قبل زمان الذبح، فلما انقطعت تعلّلاتهم، وانتهت سؤالاتهم فعلوه، كالمضطرّ الملجأ إلى الفعل (٢). والله تعالى أعلم.

(فَإِذَا كَانَ الأَغْلَبُ مِنْ حَدِيثِهِ) أي المحدث (كَذَلِكَ) أي كما ذُكر، من المخالفة أصلًا، أو المخالفة إلا في القليل النادر (كَانَ مَهْجُورَ الْحَدِيثِ) أي متروكه، من هجرته هجرًا: إذا قطعته، وقوله: (غَيْرَ مَقْبُولِهِ) مؤكّد لما قبله، كقوله (وَلَا مُسْتَعْمَلِهِ) بصيغة اسم المفعول: أي غير جائر الاستعمال، بمعنى أنه لا يجوز العمل بحديثه.

ثم ضرب أمثلة لهؤلاء الذين تُهْجَرُ أحاديثهم؛ لنكارتها، وغلبة الغلط فيها بذكر بعضهم، فقال:

(فَمِنْ هَذَا الضَّرْبِ) أي الصنف، قال في "القاموس": والضرب الصنف من الشيء، كالضريب، والمَضروبِ. انتهى (مِنَ الْمُحَدِّثِينَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَرَّرٍ) بالرفع على أنه مبتدأ مؤخّر، خبره الجار والمجرور قبله.

و"محرّر" بصيغة اسم المفعول المضعّف، من التحرير، قال النوويّ: هو بفتح الحاء المهملة، وبراءين مهملتين، الأولى مفتوحة مشدّدة، هكذا هو في روايتنا، وفي أصول أهل بلادنا، وهذا هو الصواب، وكذا ذكره البخاريّ في "تاريخه"، وأبو نصر بن ماكولا، وأبو عليّ الغسّانيّ الجيّانيّ، وآخرون من الحفّاظ. وذكر القاضي عياض أن جماعة شيوخهم رووه مُحْرِزًا بإسكان الحاء، وكسر الراء، وآخره زاي، قال: وهو غلط، والصواب الأول. انتهى (٣).


(١) "شرح مسلم" ١/ ٥٧.
(٢) راجع "الكواكب الدريّة على متممة الآجروميّة" ص ١١٥.
(٣) "شرح مسلم" ١/ ٥٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>