للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان منها مذكورا على وجه المتابعة، ففي نفس الكتاب وصلها، فاكتفى بكون ذلك معروفا عند أهل الحديث، كما أنه روى عن جماعة من الضعفاء؛ اعتمادا على كون ما رواه عنهم معروفا من رواية الثقات، على ما سنرويه عنه فيما بعدُ، إن شاء الله تعالى.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: سأذكر في آخر المسائل فيما يتعلّق بهذه الأحاديث المنقطعة ما كتبه العلامة رشيد الدين العطّار المتوفّى سنة (٦٦٢) رحمه الله تعالى في رسالته "غرر الفوائد المجموعة في بيان ما وقع في صحيح مسلم من الأحاديث المقطوعة"، إن شاء الله تعالى.

قال أبو عمرو: وهكذا الأمر في تعليقات البخاري، بألفاظ مثبتة، جازمة، على الصفة التي ذكرناها، كمثل ما قال فيه: قال فلان، أو رَوَى فلان، أو ذكر فلان، أو نحو ذلك، ولم يُصِب أبو محمد بن حزم الظاهري، حيث جعل مثل ذلك انقطاعا، قادحا في الصحة، مُستروحا إلى ذلك في تقرير مذهبه الفاسد، في إباحة الملاهي، وزعمه أنه لم يصح في تحريمها حديث، مجيبا به عن حديث أبي عامر، أو أبي مالك الأشعري، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحرير، والخمر، والمعازف ... " إلى آخر الحديث، فزعم أنه وإن أخرجه البخاري، فهو غير صحيح؛ لأن البخاري قال فيه: قال هشام بن عمار، وساقه بإسناده، فهو منقطع فيما بين البخاري وهشام. وهذا خطأ من وجوه: [أحدها]: أنه لا انقطاع في هذا أصلًا، من جهة أن البخاري لقي هشاما، وسمع منه، وقد قررنا في كتاب "معرفة علوم الحديث" أنه إذا تحقق اللقاء والسماع، مع السلامة من التدليس، حُمِل ما يرويه عنه على السماع، بأي لفظ كان، كما يُحْمَل قول الصحابي: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على سماعه منه، إذا لم يظهر خلافه، وكذا غير "قال" من الألفاظ. [الثاني]: إن هذا الحديث بعينه معروف الإتصال بصريح لفظه، من غير جهة البخاري. [الثالث]: أنه وإن كان ذلك انقطاعا، فمثل ذلك في الكتابين غير ملتحق بالإنقطاع القادح؛ لما عُرِف من عادتهما، وشرطهما، وذكرهما ذلك في كتاب موضوع لذكر الصحيح خاصة، فلن يستجيزا فيه الجزم المذكور، من غير ثَبَث وثبوت، بخلاف الإنقطاع، والإرسال الصادرين من غيرهما، هذا كله في المعلّق بلفظ الجزم. وأما إذا لم يكن ذلك من الشيخين بلفظ جازم، مثبت له على ما ذكراه عنه، على الصفة التي قدمتُ ذكرها، مثل أن يقولا: ورُوي عن فلان، أو ذُكر عن فلان، أو في الباب عن فلان، ونحو ذلك، فليس ذلك في حكم التعليق، الذي ذكرناه، ولكن يستأنس بإيرادهما له.

وأما قول مسلم في خطبة كتابه: وقد ذُكِر عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: "أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن ننزل الناس منازلهم"، فهذا بالنظر إلى أن لفظه ليس لفظا جازما بذلك

<<  <  ج: ص:  >  >>