للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابن صهبان كان قليل الحديث، مات سنة سبع وخمسين ومائة، وفيها أرخه خليفة، وابن قانع. تفرد به ابن ماجه، له عنده حديث واحد، في الأكل يوم الفطر قبل الغدو.

(وَمَنْ نَحَا نَحْوَهُمْ) أي قَصَدَ قَصْدَ هؤلاء المذكورين، وسلك طريقهم (فِي رِوَايَةِ الْمُنْكَرِ مِنَ الْحَدِيثِ، فَلَسْنَا نُعَرِّجُ عَلَى حَدِيثِهِمْ) بتشديد الراء، من التعريج، وهو الميل، والعطف، والإقامة، قال في "اللسان"، : عرّج عليه: عَطَف، وعرّج بالمكان: أقام، وقال أيضًا: والتعريج أن تَحْبِس مطيتك، مقيما على رُفقتك، أو لحاجة. انتهى. فالمعنى هنا: لا نميل إليه، ولا نخرّجه، فقوله: (وَلَا نَتَشَاغَلُ بِهِ) عطف تفسير لـ "نعرّج".

ثم علّل عدم التعريج على حديث هؤلاء بقوله: (لِأَنَّ حُكْمَ أَهْلِ الْعِلْمِ) أي المحدّثين وغيرهم (وَالَّذِي نَعْرِفُ) بكسر الراء، من باب ضرب (مِنْ مَذْهَبِهِمْ فِي قَبُولِ مَا يَتَفَرَّدُ بهِ الْمُحَدِّثُ) أي يرويه وحده (مِنَ الْحَدِيثِ) بيان لـ "ما" (أنْ يَكُونَ) في تأويل المصدَر خبر "أنّ"، أي كون ذلك المتفرّد (قَدْ شَارَكَ الثِّقَاتِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْحِفْظِ) متعلق بحال مقدّر (فِي بَعْضِ مَا رَوَوْا) متعلّق بـ "شارك" أي شاركهم في بعض مروياتهم الأخرى، غير ما تفرّد به (وَأَمْعَنَ) أي بالغ، قال الفيّوميّ: أمعن الفرس إمعانًا: تباعد في عَدْوِهِ، ومنه قيل: أمعن في الطلب: إذا بالغ في الإستقصاء. انتهى (فِي ذَلِكَ) اسم الإشارة راجع إلى "بعض ما رووا" (عَلَى الْمُوَافَقَةِ لَهُمْ) أي للثقات، والجارّان متعلقان بـ "أمعن" (فَإِذَا وُجِدَ) بالبناء للمفعول (كَذَلِكَ) أي على الصفة المذكورة من الموافقة، فالكاف بمعنى "على"، فإنها تأتي بمعناها عند الأخفش، والكوفيين، ومنه قيل لبعضهم: كيف أصبحت؟ قال: كخير: أي على خير (١) (ثُمَّ زَادَ) ذلك المحدّث (بَعْدَ ذَلِكَ) أي بعد أن ظهرت موافقته للثقات في بعض مروياتهم (شَيْئًا) مفعول به لـ "زاد" (لَيْسَ عِنْدَ أَصْحَابِهِ) يريد بهم الثقات المذكورين، والجملة صفة "شيئًا" (قُبِلَتْ زِيَادَتُهُ) ببناء الفعل للمفعول، والجملة جواب "إذا".

وحاصل ما أشار إليه رحمه الله تعالى في كلامه هذا أن شرط قبول زيادة الراوي أن يكون مشاركًا للحفّاظ المتقنين في بعض ما يروونه من الأحاديث، من غير مخالفة لهم، فمن كان حاله هكذا إذا زاد شيئًا على أصحابه الثقات، جاز قبول زيادته؛ لأنه يُحمل على أنه حفظ ما لم يحفظوا، ولا يُستبعد ذلك منه؛ لأنه حافظ، فيمكن أن يكون الشيخ حدّث بالحديث في مجالس، فزاد في بعضها، ونقص في بعضها، فحضر ما لم يحضروا، وحفظ ما لم يحفظوا.


(١) راجع "مغني اللبيب" ١/ ١٧٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>