للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذي روي في المواقيت ليس بمنكر؛ لأنه قد وافقه على بعض صفاته غيره.

وقال أحمد في بُريد بن عبد الله بن أبي بردة: يروي أحاديث مناكير. وقال في محمد بن إبراهيم بن الحارث التيميّ، وهو المنفرد برواية حديث: "الأعمال بالنيّات": في حديثه شيء، يروي أحاديث مناكير، أو قال: منكرة. وقال في زيد بن أبي أنيسة: إنه حديثه لحسنٌ مقارب، وإن فيها لبعض النكارة، قال: وهو على ذلك حسن الحديث، قال الأثرم: قلت لأحمد: إن له أحاديث إن لم تكن مناكير، فهي غرائب، قال: نعم. وهؤلاء الثلاثة متّفقٌ على الإحتجاج بحديثهم في الصحيح، وقد استنكر أحمد ما تفرّدوا به، وكذلك قال في عمرو بن الحارث: له مناكير، وفي الحسين بن واقد، وخالد بن مخلد، وفي جماعة خرّج لهم في "الصحيح" بعض ما يتفرّدون به.

وأما تصرّف الشيخين، والأكثرين، فيدلّ على خلاف هذا، وأن ما رواه الثقة عن الثقة إلى منتهاه، وليس له علّة، فليس بمنكر، وقد قال مسلم في أول كتابه: حكم أهل العلم إلى آخر قوله: فغير جائز قبول حديث هذا الضرب من الناس.

قال: فصرّح بأن الثقة إذا أمعن في موافقة الثقات في حديثهم، ثم تفرّد عنهم بحديث قُبل ما تفرّد به، وحكاه عن أهل العلم. قال: وقال الشافعيّ: ليس الشاذّ من الحديث أن يروي الثقة ما لا يروي غيره، إنما الشاذّ أن يروي الثقة حديثًا يخالف الناس، وكذا قال أبو بكر الأثرم. وحكى أبو يعلى الخليليّ هذا القول عن الشافعيّ، وجماعة من أهل الحجاز، ثم قال: الذي عليه حفاظ الحديث: أن الشاذّ ما ليس له إلا إسناد واحد يشذّ بذلك شيخ ثقة كان، أو غير ثقة، فما كان عن غير ثقة، فمتروك لا يقبل، وما كان عن ثقة يتوقّف فيه، ولا يحتجّ به. وكذلك ذكر الحاكم أن الشاذّ هو الحديث ينفرد به ثقة من الثقات، وليس له أصل بمتابع لذلك الثقة، ولم يوقف له على علّة، ولكن كلام الخليليّ في تفرّد الشيوخ، والشيوخ في اصطلاح أهل هذا العلم عبارة عمن دون الأئمة والحفّاظ، وقد يكون فيهم الثقة وغيره، فأما ما انفرد به الأئمة والحفاظ، فقد سمّاه الخليليّ فردًا، وذكر أن أفراد الحفّاظ المشهورين الثقات، أو أفراد إمام من الحفّاظ الأئمة صحيح، متّفقٌ عليه، ومثّله بحديث مالك في المغفر (١).

فتلخّص من هذا أن النكارة لا تزول عند يحيى القطّان، والإمام أحمد،


(١) هو ما أخرجه الشيخان من حديث أنس -رضي الله عنه- قال: "دخل النبيّ -صلى الله عليه وسلم- مكة، وعلى رأسه المغفر". لكن التمثيل بهذا الحديث للتفرد غير صحيح، فإن مالكًا لم ينفرد به، بل تابعه غيره، قال أبو بكر بن العربيّ رحمه الله تعالى: له ثلاثة عشر طريقا غير طريق مالك، وقال الحافظ رحمه الله تعالى: قد جمعت طرقه، فوصلت إلى سبعة عشر. انظر "تدريب الراوي" ١/ ٢٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>