للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو داود بعد تخريجه: هذا حديث منكر، وإنما يُعرف عن ابن جريج، عن زياد بن سعد، عن الزهري، عن أنس: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم-، اتخذ خاتما من ورق، ثم ألقاه"، قال: والوهم فيه من همام، ولم يروه إلا همام، وقال النسائي بعد تخريجه: هذا حديث غير محفوظ، فهمام بن يحيى ثقة، احتج به أهل الصحيح، ولكنه خالف الناس، فروى عن ابن جريج هذا المتن بهذا السند، وإنما روى الناس عن ابن جريج الحديث الذي أشار إليه أبو داود، فلهذا حكم عليه بالنكارة.

[ومثال الثاني]: وهو الفرد الذي ليس في رواته من الثقة والإتقان ما يُحتَمل معه تفرده، ما رواه النسائي، وابن ماجه من رواية أبي زُكَير، يحيى بن محمد بن قيس، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة -رضي الله عنها- مرفوعا: "كلوا الْبَلَحَ بالتمر، فإن ابن آدم إذا أكله غضب الشيطان ... " الحديث، قال النسائي: هذا حديث منكر، تفرد به أبو زكير، وهو شيخ صالح، أخرج له مسلم في المتابعات، غير أنه لم يبلغ مبلغ من يُحتَمل تفرده، بل قد أطلق عليه الأئمة القول بالتضعيف، فقال ابن معين: ضعيف، وقال ابن حبان: لا يحتج به، وقال العقيلي: لا يتابع على حديثه، وأورد له ابن عدي أربعة أحاديث مناكير.

ومن أمثلة المنكر أيضًا ما رواه ابن أبي حاتم، من طريق حُبَيّب -بضم الحاء المهملة، وتشديد التحتية، بين موحدتين، أولاهما مفتوحة- ابن حَبِيب -بفتح المهملة، بوزن كريم- أخى حمزة الزيات، عن أبي إسحاق، عن العيزار بن حريث، عن ابن عباس، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من أقام الصلاة، وآتى الزكاة، وحج، وصام، وقَرَى الضيف، دخل الجنة"، قال أبو حاتم: هو منكر؛ لأن غيره من الثقات رواه عن أبي إسحاق موقوفا، وهو المعروف. انتهى ما في "التدريب" بتصرّف ١/ ٢٣٨ - ٣٤٠.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تلخّص مما سبق أن الأرجح الذي يدلّ عليه تصرّف الشيخين، وصرّح به الإمام الشافعيّ في كلامه السابق، وهو ظاهر صنيع الإمام مسلم هنا أن المنكر هو الذي تفرد به الضعيف الذي لا يُحتمل تفرّده، مثل أبي زكير، وحُبَيِّب بن حَبِيب المذكورين، وأما ما تفرّد به الحفّاظ الأثبات، فإنه صحيح، وإن لم يوجد لهم متابع. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

[تنبيهان]: الأول: قد عُلم مما تقدم، بل من تصريح ابن الصلاح أن الشاذ والمنكر بمعنى، وقال الحافظ: إن الشاذ والمنكر يجتمعان في اشتراط المخالفة، ويفترقان في أن الشاذ راويه ثقة، أو صدوق، والمنكر راويه ضعيف، قال: وقد غفل من سَوّى بينهما. وقال في "النخبة": فإن خولف الراوي بأرجح يقال له: المحفوظ، ومقابله يقال له: الشاذ، وإن وقعت المخالفة مع الضعف، فالراجح يقال له:

<<  <  ج: ص:  >  >>