للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن أخرج صاحب "الصحيح" الطريق الناقصة، وعلله الناقد بالمزيدة، تضمن اعتراضه دعوى انقطاع فيما صححه المصنف، فينظر إن كان الراوي صحابيا، أو ثقة غير مدلس، قد أدرك من روى عنه إدراكا بينا، أو صرح بالسماع، إن كان مدلسا من طريق أخرى، فإن وجد ذلك، اندفع الإعتراض بذلك، وإن لم يوجد، وكان الإنقطاع فيه ظاهرا، فمحصل الجواب عن صاحب "الصحيح" أنه إنما أخرج مثل ذلك في باب ما له متابعٌ، وعاضد، أو ما حَفَّته قرينة في الجملة تقويه، ويكون التصحيح وقع من حيث المجموع.

مثاله: ما رواه البخاري من حديث أبي مروان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن أم سلمة، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لها: "إذا صليت الصبح فطوفي على بعيرك، والناس يصلون ... " الحديث. قال الدارقطني. هذا منقطع، وقد وصله حفص بن غياث، عن هشام، عن أبيه، عن زينب، عن أم سلمة، ووصله مالك في "الموطإ" عن أبي الأسود، عن عروة كذلك. قال الحافظ: حديث مالك عند البخاري مقرون بحديث أبي مروان، وقد وقع في رواية الأصيلي: عن هشام، عن أبيه، عن زينب، عن أم سلمة موصولا، وعليها اعتمد المزي في "الأطراف"، ولكن معظم الروايات على إسقاط زينب، قال أبو علي الجياني: وهو صحيح، وكذا أخرجه الإسماعيلي بإسقاطها من حديث عبدة بن سليمان، ومحاضر، وحسان بن إبراهيم، كلهم عن هشام، وهو المحفوظ من حديثه، وإنما اعتمد البخاري فيه رواية مالك التي أثبت فيها ذكر زينب، ثم ساق معها رواية هشام التي أسقطت منها، حاكيا للخلاف فيه على عروة كعادته، مع أن سماع عروة، من أم سلمة ليس بالمستبعد.

قال: وربما عَلَّل بعض النقاد أحاديث ادَّعَى فيها الإنقطاع؛ لكونها مروية بالمكاتبة والإجازة، وهذا لا يلزم منه الإنقطاع، عند من يسوغ ذلك، بل في تخريج صاحب "الصحيح" لمثل ذلك دليل على صحته عنده.

القسم الثاني: ما تختلف الرواة فيه بتغيير رجال بعض الإسناد.

والجواب عنه: أنه إن أمكن الجمع، بأن يكون الحديث عند ذلك الراوي على الوجهين، فأخرجهما المصنف، ولم يقتصر على أحدهما، حيث يكون المختلفون في ذلك متعادلين، في الحفظ والعدد، أو متفاوتين، فيخرج الطريقة الراجحة، ويُعرض عن المرجوحة، أو يشير إليها، فالتعليل بجميع ذلك لمجرد الإختلاف غير قادح، إذ لا يلزم من مجرد الإختلاف اضطرابٌ يوجب الضعف.

<<  <  ج: ص:  >  >>