للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يزيد في نسب غير شيخه من رجال الإسناد، ولا صفته على ما سمعه من شيخه؛ لئلا يكون كاذبا على شيخه، فإن أراد تعريفه، وإيضاحه، وزوال اللبس المتطرق إليه لمشابهة غيره، فطريقه أن يقول: قال: حدثني فلان، يعني ابن فلان، أو الفلانيّ، أو هو ابن فلان، أو الفلانيّ، أو نحو ذلك، فهذا جائز حسن، قد استعمله الأئمة، وقد أكثر البخاريّ ومسلم منه في "الصحيحين" غاية الإكثار، حتى إن كثيرا من أسانيدهم يقع في الإسناد الواحد منها موضعان، أو أكثر من هذا الضرب، كقوله في أول كتاب البخاريّ في "باب المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده": قال أبو معاوية: حدثنا داود -هو ابن أبي هند- عن عامر، قال: سمعت عبد الله -هو ابن عمرو-. وكقوله فى كتاب مسلم في "باب منع النساء من الخروج إلى المساجد": حدثنا عبد الله بن مسلمة، حدثنا سليمان -يعني ابن بلال- عن يحيى -وهو ابن سعيد-، ونظائره كثيرة، وإنما يقصدون بهذا الإيضاح كما ذكرنا أَوّلًا، فإنه لو قال: حدثنا داود، أو عبد الله، لم يعرف مَن هو؟ ؛ لكثرة المشاركين فى هذا الإسم، ولا يَعْرِف ذلك فى بعض المواطن إلا الخواص، والعارفون بهذه الصنعة، وبمراتب الرجال، فأوضحوه لغيرهم، وخففوا عنهم مؤونة النظر والتفتيش. ذكره النوويّ رحمه الله تعالى في "شرحه" (١).

وهذا كلّه فيما إذا لم يذكره الشيخ بنسبه أو نحوه في أول حديث الكتاب، أما إذا ذكره بتمامه في أول حديثه، ثم اقتصر في باقي الأحاديث، على اسمه، أو بعض نسبه، فقد حكى الخطيب عن أكثر العلماء جواز روايته تلك الأحاديث مفصولة عن الحديث الأول، مستوفيا نسب شيخ شيخه. وعن بعضهم أن الأولى فيه أيضًا أن يقول: يعني ابن فلان. وعن علي بن المديني وغيره، كشيخه أبي بكر الأصبهاني الحافظ، أنه يقول: حدثني شيخي أن فلان ابن فلان حدثه. وعن بعضهم أنه يقول: أنا فلان، هو ابن فلان، واستحب هذا الأخير الخطيب؛ لأن لفظة "أن" استعملهما قوم في الإجازة. قال ابن الصلاح: وكله جائز، وأولاه أن يقول: هو ابن فلان، أو يعني ابن فلان، ثم قوله: أن فلان ابن فلان، ثم أن يذكره بكماله، من غير فصل. ذكره في "التدريب" (٢).

وهذا الفصل -كما قال النوويّ- نفيس يعظم الإنتفاع به، فإن من لا يعاني هذا الفن، قد يتوهم أن قوله: "يعني"، وقوله: "هو"، ونحو ذلك زيادة لا حاجة إليها، وأن الأَوْلى حذفها، وهذا جهل قبيح. (٣).

وإلى ما تقدّم أشار السيوطيّ رحمه الله تعالى في "ألفيته"، حيث قال:


(١) راجع "شرح النووي" ١/ ٣٨ - ٣٩.
(٢) راجع "التدريب" ٢/ ١١٣ - ١١٤.
(٣) "شرح صحيح مسلم" ١/ ٣٨ - ٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>