للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رواه معاذ، وغندرٌ، وابن مهديّ. انتهى كلام المازريّ (١).

وقال أبو العبّاس القرطبيّ رحمهُ اللهُ تعالى: في "المفهم". هكذا وقع عند كافّة رواة كتاب مسلم -يعني مرسلًا- ووقع عند أبي العبّاس الرازيّ وحده في هذا الإسناد "عن أبي هريرة"، فأسنده. انتهى.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: فتبيّن بهذا أن الأكثرين من رواة كتاب مسلم في هذا الطريق على الإرسال، وهو الصواب، وأما الوصل، ففي الرواية التالية، وبهذا تعلم أن ما ردّ به الألبانيّ على أبي داود رحمه الله تعالى قوله: إن علي بن حفص تفرد به، محتجّا برواية مسلم هذه مبنيّ على النسخ التي وقع فيها ذكر أبي هريرة غلطًا، وأما على نسخ الإرسال، وهي الصواب، فما قاله أبو داود هو الحقّ، فتبصّر بالإنصاف، ولا تتهّوَّر بالاعتساف. والله تعالى أعلم بالصواب.

(كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ) قال القرطبيّ رحمهُ اللهُ تعالى: الباء زائدة هنا على المفعول، وفاعل "كفى" "أن يُحدّث"، وقد تزاد هذه الباء على فاعل "كفى"، كقول الله تعالى: {وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} [النساء: ٧٩]. و "كذبًا"، و "شهيدًا" منصوبان على التمييز. انتهى (٢).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: زيادة الباء في فاعل "كفى" هو الغالب، وأما زيادتها في مفعوله فقليل، كهذا الحديث، وكقول الشاعر:

فَكَفَى بِنَا فَضْلًا عَلَى مَنْ غَيْرُنَا ... حُبُّ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ إِيَّانَا (٣).

قال القرطبيّ رحمهُ اللهُ تعالى: معنى الحديث أن من حدّث بكل ما سمع حصل له الحظّ الكافي من الكذب، فإن الإنسان يسمع الغثّ والسمين، والصحيح والسقيم، فإذا حدّث بكلّ ذلك حدّث بالسقيم وبالكذب، ثمّ يُحمَل عنه، فيكذب في نفسه، أو يُكذّب بسببه، ولهذا أشار مالك بقوله: "ليس يَسلَم رجلٌ حدّث بكلّ ما سمع، ولا يكون إمامًا أبدًا". أي إذا وُجد الكذب في روايته لم يُوثق بحديثه، وكان ذلك جرحًا فيه فلا يصلح ليقتدي به أحدٌ -ولو كان عالمًا- فلو بيّن الصحيح والسقيم، والصادق من الكذب، سلم من ذلك، وتَفَصَّى عن عهدة ما يَجب عليه من النصيحة الدينيّة. انتهى (٤).


(١) انظر "إكمال المعلم" للقاضي عياض ١/ ١١٤.
(٢) "المفهم" ١/ ١١٧.
(٣) راجع "مغني اللبيب عن كتب الأعاريب" ١/ ١٠٦ - ١٠٩.
(٤) "المفهم" ١/ ١١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>