للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال النوويّ رحمهُ اللهُ تعالى: وقد رواه أبو داود في "سننه" أيضا مرسلا ومتصلًا، فرواه مرسلا عن حفص بن عمر النَّمَريّ، عن شعبة، ورواه متصلا من رواية عليّ بن حفص، وإذا ثبت أنه رُوي متصلا ومرسلًا، فالعمل على أنه متصل، هذا هو الصحيح الذي قاله الفقهاء، وأصحاب الأصول، وجماعة من أهل الحديث، ولا يضر كون الأكثرين رووه مرسلًا، فإن الوصل زيادة من ثقة، وهي مقبولة. انتهى كلام النوويّ (١).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: الظاهر أن صنيع المصنّف رحمهُ اللهُ تعالى يوافق ما رجحه النووي من ترجيح الوصل على الإرسال، حيث أورد الحديث مورد الاحتجاج، وأيّده بأثر عمر، وابن مسعود رضي الله عنهما.

لكن الذي يظهر لي أن ما قاله الدارقطنيّ رحمهُ اللهُ تعالى هو الأرجح؛ لأن علي بن حفص ليس ممن يُعتمد على حفظه، وقد قال عنه أبو حاتم: يُكتب حديثه، ولا يُحتجّ به انتهى. ولا سيّما مع هذه المخالفة لهؤلاء الأثبات: معاذ بن معاذ، وعبد الرحمن بن مهديّ، وغندر، وكلهم من أهل الحفظ والإتقان، وممن له اختصاص بشعبة، ومذهب المحقّقين من أهل الحديث، كأحمد، والبخاريّ، والترمذيّ، وغيرهم، أنه لا بدّ من كون المخالف ممن يُعتمد على حفظه حتى تُقبل زيادته، بل زاد بعضهم أن يتابع، وقد استوفيت البحث في مسألة زيادة الثقة عند ذكر المصنّف لها حيث يقول: ...... لأن حكم أهل العلم، والذي نعرف من مذهبهم في قبول ما يتفرّد به المحدّث من الحديث أن يكون قد شارك الثقات من أهل العلم والحفظ في بعض ما رووا ... الى آخر كلامه، فراجعه تستفد. والله تعالى أعلم بالصواب.

[تنبيه]: قال الإمام أبو داود رحمهُ اللهُ تعالى بعد إخراج الحديث من طريق عليّ بن حفص-: ما نصّه: لم يسنده إلا هذا الشيخ -يعني علي بن حفص المدائني-.

وقال الحاكم: صحيح الإسناد، وعليّ بن حفص المدائنيّ ثقة، ووافقه الذهبيّ.

وتعقّب الألبانيّ (٢) كلام أبي داود رحمه الله تعالى المذكور، بأنه بالنسبة لما وقف عليه هو من الطرق، وإلا فالطريقان الآخران -يعني طريقي معاذ، وابن مهدي- عند مسلم- يردّان عليه.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: في هذا التعقّب نظر لا يخفى؛ لأنه مبنيّ على النسخ التي فيها الخطأ بزيادة أبي هريرة، كما قدّمنا، فالصواب أن الطريقين الآخرين


(١) "شرح صحيح مسلم" ١/ ٧٢.
(٢) راجع ما كتبه في "السلسلة الصحيحة" ٥/ ٣٨/ ٤٠ رقم ٢٠٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>