للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تنبيه]: عقد الإمام البخاريّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في "كتاب العلم" من "صحيحه" بابًا لما دلّ عليه أثر ابن مسعود -رضي الله عنه- هذا، فقال: "باب من خص بالعلم قوما دون قوم؛ كراهية أن لا يفهموا". وقال عليّ: حدّثوا الناس بما يعرفون، أتحبّون أن يُكذّب الله ورسوله؟ ".

قال في "الفتح": والمراد بقوله: "بما يعرفون": أي يفهمون، وزاد آدم بن أبي إياس في "كتاب العلم" له في آخره "ودعوا ما ينكرون": أي يشتبه عليهم فهمه. وكذا رواه أبو نعيم في "المستخرج".

وفيه دليل على أن المتشابه لا ينبغي أن يُذكَرَ عند العامة. قال: وممن كره التحديث ببعض دون بعض أحمد في الأحاديث التي ظاهرها الخروج على السلطان، ومالك في أحاديث الصفات، وأبو يوسف في الغرائب، ومن قبلهم أبو هريرة كما في قصّة الجرابين، وأن المراد ما يقع من الفتن، ونحوه عن حذيفة. وعن الحسن أنه أنكر تحديث أنس للحجاج بقصة العرنيين؛ لأنه اتخذها وسيلة إلى ما كان يعتمده من المبالغة في سفك الدماء بتأويله الواهي. وضابط ذلك أن يكون ظاهر الحديث يقوي البدعة، وظاهره في الأصل غير مراد، فالإمساك عنه عند من يُخشَى عليه الأخذ بظاهره مطلوب. انتهى ببعض تصرّف (١).

قال الجامع عفا الله رَحِمَهُ اللهُ تعالى عنه: أشار بقصّة الجرابين إلى ما أخرجه البخاريّ في "كتاب العلم" من "صحيحه"، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، قال: حَفِظت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعاءين، فأما أحدهما فبثثته، وأما الآخر فلو بثثته قُطِعَ هذا البلعوم.

و"البلعوم" بضم الموحّدة: مجرى الطعام، وكنى به عن القتل.

قال في "الفتح": وحمل العلماء الوعاء الذي لم يبثه على الأحاديث التي فيها تَبْيِينُ أسامي أمراء السوء، وأحوالهم، وزمنهم، وقد كان أبو هريرة يَكنِي عن بعضه، ولا يصرح به خوفا على نفسه منهم، كقوله: أعوذ بالله من رأس الستين، وإمارة الصبيان، يشير إلى خلافة يزيد بن معاوية؛ لأنها كانت سنة ستين من الهجرة، واستجاب الله دعاء أبي هريرة، فمات قبلها بسنة. قال ابن المنير: جعل الباطنية هذا الحديث ذريعة إلى تصحيح باطلهم، حيث اعتقدوا أن للشريعة ظاهرا وباطنًا، وذلك الباطن إنما حاصله الانحلال من الدين، قال: وإنما أراد أبو هريرة بقوله: "قُطِع": أي قَطَعَ أهلُ الجور رأسه إذا سمعوا عيبه لفعلهم، وتضليله لسعيهم، ويؤيد ذلك أن الأحاديث المكتوبة لو كانت من الأحكام الشرعية ما وسعه كتمانها؛ لما ذكره في


(١) "الفتح" ١/ ٢٧٢. طبعة دار الريّان.

<<  <  ج: ص:  >  >>