للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بما يضعونه، ويَختلقونه، وقد وُجد ذلك على نحو ما قاله، فكان هذا الحديث من دلائل صدقه. ذكر أبو عمر بن عبد البرّ عن حمّاد بن زيد أنه قال: وَضَعَت الزنادقة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اثني عشر ألف حديث، بثّوها في الناس. وحكي عن بعض الوضّاعين أنه تاب، فبكى، وقال: أنّى لي بالتوبة؟ وقد وضعتُ اثني عشر ألف حديث على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كلّها يُعمل بها. وقد كتب أئمّة الحديث كتبًا كثيرةً بيّنوا فيها كثيرًا من الأحاديث الموضوعة المنتشرة في الوجود، قد عَمِلَ بها كثير من الفقهاء الذين لا علمَ عندهم برجال الحديث. انتهى كلام القرطبيّ (١).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: في قوله: وضعت الزنادقة اثني عشر ألف حديث كلّها يُعمل بها، فيه نظرٌ لا يخفى، بل هو باطل من تأمّله، والله تعالى المستعان.

وقوله: (كَذَّابُونَ) تأكيد لدجّالون؛ لأنه بمعناه. قال السنوسيّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: قلت: وعلماء السوء، والرهبان على غير أصل سنّة كلهم داخلون في هذا المعنى، وما أكثرهم في زماننا، نسأل الله سبحانه السلامة من شرّ هذا الزمن، وشرّ أهله. انتهى (٢). (يَأْتُونَكُمْ مِنَ الْأَحَادِيثِ بِمَا لم تَسْمَعُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ) أي بالأحاديث المختلقة التي لم تُنقل من مصدر صحيح. والمعنى أنهم يقولون، ويروون أشياء ليست مما يعرفه المسلمون فيما لم يزل سلفًا عن خلف، مع أن الله تعالى أكمل دينه، ووعد بحفظه، ونشره، ولم يترك سبيلًا إلى ضياع شيء منه، فأين كانت هذه الغرائب من القرون الأول. أفاده بعضهم (٣).

(فَإِيَّاكمْ وَإِيَّاهُمْ) أي كونوا على حذر منهم (لَا يُضِلُّونَكُمْ وَلَا يَفْتِنُونَكُمْ) قال القرطبيّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: كذا صحّت الرواية فيه بإثبات النون، والصواب حذفها؛ لأن ثبوتها يقتضي أن تكون خبرًا عن نفي وقوع الإضلال والفتنة، وهو نقيض المقصود؛ فإذا خذفت احتمل حذفها وجهين:

[أحدهما]: أن يكون ذلك مجزومًا على جواب الأمر الذي تضمّنه إياكم، فكأنه قال: أُحذّركم لا يُضلّونكم، ولا يفتنونكم.

و[ثانيهما]: أن يكون قوله: "لا يُضلّونكم" نهيًا، ويكون ذلك من باب قولهم: "لا أريَنّك هَهنا": أي لا تتعرّضوا لإضلالهم، ولا لفتنتهم. انتهى (٤). والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.


(١) "المفهم" ١/ ١١٨ - ١١٩.
(٢) "مكمل إكمال الإكمال" ١/ ٢١.
(٣) انظر "فتح الملهم" ١/ ١٢٧.
(٤) "المفهم" ١/ ١١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>