للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العارفين، قال: كأكثر محدّثي زماننا، قال: فهذا محتجّ به عند أكثر أهل الحديث، قال: وإن لم ير ذلك مالك، ولا أبو حنيفة.

قال القاضي: والذي أقول: إن معنى قول أبي الزناد هذا -وقد رُوي نحوه عن مالك وغيره-: أن هؤلاء لم يكونوا أهل ضبط لما رووه، لا من حفظهم، ولا من كتبهم، أو قَصَدوا إيثار أهل العلم، وترجيح الرواية عن أهل الإتقان، والحفظ؛ لكثرتهم حينئذ، والاستغناء بهم عن سواهم، فأما أن لا يُقبل حديثهم فلا، وقد وجدنا هؤلاء رووا عن جماعة ممن لم يشتهر بعلم، ولا إتقان. انتهى كلام القاضي (١).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قول القاضي رَحِمَهُ اللهُ تعالى: "أو قصدوا إيثار أهل العلم الخ" فيه نظر لا يخفى؛ لأنه بعيد عن معنى كلام أبي الزناد، بل معنى كلامه هو الوجه الأول الذي ذكره القاضي بقوله: "أن هؤلاء لم يكونوا أهل ضبط الخ".

والحاصل من مراد ابن أبي الزناد -والله أعلم- أنه كما يُشترط لقبول الرواية كون الراوي عدلًا، يشترط أيضًا كونه ضابطًا، فلا تكفي عدالته، واستقامته، وأمانته لقبول ما يروي، بل لا بُدّ من كونه ضابطًا لما روى، إما ضبط صدرٍ، إن كان يروي من حفظه، أو ضبط كتاب، إن كان يروي من كتابه، وهذا معنى ما تقدّم عن الإمام مالك رَحِمَهُ اللهُ تعالى، حيث عدّ من الأربعة الذين لا يؤخذ عنهم الحديث رجلًا له فضل وعبادة، لكنه لا يعلم ما يُحدّث به. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

قال المصنف رَحِمَهُ اللهُ تعالى بالسند المتصل إليه في أول الكتاب:

٣١ - (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ الْمَكِّيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ وحَدَّثني أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلَّادٍ الْبَاهِلِيُّ، وَاللَّفْظُ لَهُ، قَالَ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ، عَنْ مِسْعَرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ يَقُولُ: "لَا يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِلَّا الثِّقَاتُ").

رجال هذا الإسناد: خمسة:

١ - (محمد بن أبي عمر) هو: محمد بن يحيى بن أبي عمر العدنيّ، أبو عبد الله الحافظ، نزيل مكة، نُسِب إلى جده.

روى عن أبيه، وابن عيينة، وفضيل بن عياض، وغيرهم. وروى عنه مسلم، والترمذي، وابن ماجه، وروى النسائي عن محمد بن حاتم بن نعيم الأزدي، وهلال بن العلاء، وزكرياء بن يحيى السجزي عنه، وغيرهم.

قال ابن أبي حاتم عن أبيه: كان رجلا صالحًا، وكان به غفلة، ورأيت عنه حديثًا


(١) "إكمال المعلم" ١/ ١٢٧ - ١٢٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>