للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عمرو بن عبيد مخافة من كونها كذبًا، فنقعَ في الكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، إن كانت الغرائب من الأحاديث، وإن كانت من الآراء والمذاهب، والفتوى، فَحَذَرًا من الوقوع في البِدَع، أو في مخالفة الجمهور باتباع الغريب الذي لا يُعرف. أفاده القاضي عياض في "شرحه" (١).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الذي نُقل عن أيوب رحمهُ اللهُ تعالى من التحذير عن الغرائب نُقل عن غيره أيضًا، قال الحافظ ابن رجب رحمهُ اللهُ تعالى في "شرح علل الترمذيّ": وقد كان السلف يمدحون المشهور من الحديث، ويَذُمّون الغريب منه في الجملة. ومنه قول ابن المبارك: العلم هو الذي يجيئك من هَهنا ومن هَهنا -يعني المشهور-. أخرجه البيهقيّ. وأخرج أيضًا من طريق الزهريّ، عن عليّ بن حسين، قال: ليس من العلم ما لا يُعرف، إنما العلم ما عُرِف، وتواطأت عليه الألسن. وبإسناده عن مالك قال: شرّ العلم الغريب، وخير العلم الظاهر الذي قد رواه الناس. وروى محمد بن جابر، عن الأعمش، عن إبراهيم قال: كانوا يَكرهون غريب الحديث، وغريب الكلام. وعن أبي يوسف قال: من طلب غرائب الحديث كَذَب. وقال أبو نُعيم: كان عندنا رجل يُصلّي كلّ يوم خمسمائة ركعة (٢)، سقط حديثه في الغرائب. وقال عمرو بن خالد: سمعت زهير بن معاوية يقول لعيسى بن يونس: ينبغي للرجل أن يتوقّى رواية غريب الحديث، فإني أعرف رجلًا كان يُصليّ في اليوم مائتي ركعة، ما أفسده عند الناس إلا رواية غريب الحديث. ثم ذكر كلام أيوب المذكور هنا.

قال: وقال رجل لخالد بن الحارث: أخرج لي حديث الأشعث لعلّي أجد فيه شيئًا غريبًا، فقال: لو كان فيه شيء غريبٌ لمحوته. ونقل عليّ بن عثمان النفيليّ، عن أحمد قال: شرّ الحديث الغرائب التي لا يُعمل بها، ولا يُعتَمد عليها. وقال المرّوذيّ: سمعت أحمد يقول: تركوا الحديث، وأقبلوا على الغرائب، ما أقلَّ الفقه فيهم؟ ! . ونقل محمد بن سهل بن عسكر، عن أحمد قال: إذا سمعت أصحاب الحديث يقولون: هذا الحديث غريبٌ، أو فائدة، فاعلم أنه خطأ، أو دخل حديث في حديث، أو خطأ من المحدّث، أو ليس له إسناد، وإن كان قد روى شعبة، وسفيان. وإذا سمعتهم يقولون: لا شيء، فاعلم أنه حديث صحيح. وقال أحمد بن يحيى: سمعت أحمد غير مرّة


(١) "إكمال المعلم" ١/ ١٤٧.
(٢) قلت: هذا الكلام يسوقونه مساق المدح، وهو محلّ نظر، إذ هو في الحقيقة ليس فيه مدح؛ لأن صلاة خمسمائة ركعة، أو مائتين في كلّ يوم ليس من هدي النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، "وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-". فليُتنبَّه. والله تعالى أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>